حصان طروادة الإسلاميين: حين يُخدع الشعب بثوب الوطن والدين - صوت الوحدة

حصان طروادة الإسلاميين: حين يُخدع الشعب بثوب الوطن والدين

يتكرر المشهد في السودان اليوم، كما لو أن التاريخ يسخر منا. فكما اخترق الإغريق طروادة بحصان خشبي يخفي الجنود خلف مظهره البريء، يعيد الإسلاميون السودانيون اللعبة ذاتها، مستخدمين الجيش الوطني كواجهة لاختراق الدولة وإعادة فرض هيمنتهم. إنها الاستراتيجية القديمة ذاتها: الخداع المتقن، والثقة العمياء في المظاهر، والعواقب الكارثية التي تنتظر من يغفل عن حقيقة أن الخطر قد يأتي مغلفًا بغلاف الوحدة الوطنية أو الدفاع عن الدين.

جذور هذه اللعبة تعود إلى عقود مضت، حين بدأ الإخوان المسلمون في التسلل عبر مؤسسات الدولة ببراعة. لم يكن صعودهم صدفة، بل كان مشروعًا منهجيًا: بنوك “إسلامية” لتمويل الموالين، وتوظيف ممنهج في الخدمة المدنية يعتمد على الولاء الأيديولوجي لا الكفاءة، وتغلغل في الجيش عبر “أسلمة” تدريجية للضباط. حتى إنهم أنشأوا مليشيات موازية مثل “قوات الدفاع الشعبي”، كي لا يتركوا السلطة لقوى قد تخرج عن سيطرتهم. كل هذا التخطيط الطويل انتهى بانقلاب 1989، الذي أوصل عمر البشير وحسن الترابي إلى الحكم تحت شعارات إسلامية، بينما كان الهدف الحقيقي هو السلطة نفسها، لا تطبيق الشريعة ولا حماية الهوية.

اليوم، يعيد التاريخ نفسه في الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. فالجيش، الذي يُفترض أنه مؤسسة وطنية محايدة، يتحول إلى أداة في يد الإسلاميين. كبار ضباطه ما زالوا من الموالين للنظام السابق، والمليشيات الإسلامية مثل “كتيبة البراء بن مالك” تقاتل إلى جانبه، رافعةً شعارات “الجهاد”. في المقابل، ترفض قوات الدعم السريع هذا الواقع، محذّرة من عودة “حكم الكيزان” تحت عباءة الجيش. الصراع هنا ليس مجرد معركة بين جنرالات، بل هو حرب بالوكالة على مستقبل السودان: هل سيكون دولة لكل مواطنيها؟ أم سيعود إلى مربع الهيمنة الأيديولوجية؟

الأخطر في هذه المعادلة هو كيف يُخدع السودانيون أنفسهم. فالإسلاميون أتقنوا لعبة تحويل الدين والوطنية إلى أدوات للتعبئة. أي معارضة لهم تُوصم بالخيانة أو الكفر، وأي نقد يُقدَّم على أنه مؤامرة خارجية. حتى وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة لحرب نفسية، تشنّها “وحدات الجهاد السيبراني” لنشر الشائعات وتضليل الرأي العام. والنتيجة؟ شعب يُقسَّم، وصراع يطول، وسلطة تُبنى على أنقاض الثقة العمياء في خطاب يرفع شعارات دينية ووطنية، بينما يخفي تحته مصالح ضيّقة.

حان الوقت ليكتشف السودانيون أن الجيش هو الحصان الخشبي الذي يحمل في جوفه عناصر الحركة الإسلامية ومشروعها الأيديولوجي. فرفض الأجندات السياسية المختبئة وراء الدين ليس كفرًا، والاشتباه في مؤسسات مثل الجيش، حين تُوظّف لخدمة أيديولوجيا معيّنة، ليس خيانة.
التاريخ يعطينا درسًا واحدًا واضحًا: الأمم التي لا تتعلّم من ماضيها تكرر أخطاءه وتدفع الثمن غاليًا. طروادة سقطت لأنها لم تشكّ في الحصان الخشبي الذي تركه القائد اليوناني خارج الحصن.

السودان اليوم على مفترق طرق: إما أن ينتبه إلى الألاعيب المتكرّرة، أو يظل يدور في حلقة مفرغة من الخداع والانهيار.

الخلاصة ليست في معاداة الدين أو الجيش، بل في التمييز بين الوطني الحقيقي والمتاجر بالوطنية، وبين الإيمان الصادق والأيديولوجيا المسيّسة. المستقبل الوحيد الممكن للسودان هو ذلك الذي يُبنى على وعي الجميع بأن الحصان الخشبي ما هو إلا خدعة تتكرر بأوجه وأشكال متعددة. وهنا يحضرني قول شاعرنا الكبير محمد مفتاح الفيتوري:

“الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء.”

إرسال التعليق

لقد فاتك