دارفور.. الفوضى التي قد تلتهم صانعها

لطالما استخدمت السلطة المركزية في الخرطوم العنف القبلي في دارفور كأداة لتفتيت المجتمع وإشعال الفوضى، مما منع أي وعي جماعي من التشكل وقوَّض أي محاولة لمواجهة النظام أو مناقشة القضايا المصيرية.

لعقود، نجحت هذه الاستراتيجية في تحويل الخلافات المحلية إلى حروب دموية أضعفت النسيج الاجتماعي. لكن المفارقة الكبرى اليوم هي أن هذه الفوضى المصنوعة قد تنقلب ضد من صنعها.

القسوة التي عانت منها مجتمعات دارفور وغرب السودان لم تُكسِرها، بل منحتها صلابة وقوة غير عادية. هذه الروح المقاومة ليست جديدة، فقد ظهرت من قبل في الثورة المهدية التي واجهت الاستعمار، وقد تعود اليوم لضرب النظام نفسه. دارفور، التي كانت دائماً قلب المقاومة، قد تكون على وشك لحظة تاريخية جديدة، لكن العدو هذه المرة ليس المستعمر، بل النظام المركزي الذي أفقرها وزرع فيها الفتنة.

لم تعد الأمور كما كانت. الوعي يتزايد، والتحالفات تتغير، والأحداث تتسارع، مما يجعل الفوضى سلاحاً قد ينقلب على من أطلقها.
الصراع الدائر الآن بين البرهان وحلفائه من “القوى المشتركة” قد يؤدي إلى انهيار تحالفهم، أو ربما إشعال حرب داخلية داخل أطراف السلطة.
وفي كل الأحوال، سواء انقسموا أو بقوا معاً، فإن النتيجة قد تكون إفشال أي مخطط انفصالي.

وجود “القوى المشتركة” في مناطق سيطرة الجيش قد يكون ضماناً ضد تقسيم السودان، خاصة إذا كانت نوايا السلطة انفصالية.
لكن إذا اندلعت الحرب بينهم والجيش، فقد تكون تلك الضربة التي تقضي على النظام الانقلابي، مما يفتح الطريق أمام القوى الثورية.
أما إذا استمر تحالفهم الهش، فسيظل وجودهم عائقاً أمام أي محاولة لتقسيم البلاد.

الهدف الأسمى يبقى الحفاظ على وحدة السودان، بغض النظر عن من ينتصر في هذه المعركة. فالتفكيك هو الهزيمة الحقيقية، وهذا ما يجب أن نخشاه.

الفوضى التي صنعتها النخب الحاكمة قد تكون الحفرة التي تسقط فيها، بدلاً من أن تسقط فيها المجتمعات المهمشة كما خططت نخب العهر والإجرام.
التاريخ يعيد نفسه، لكن هذه المرة قد تكون نهاية الظلم بداية جديدة للسودان الجديد الموحد.

إرسال التعليق

لقد فاتك