الاختلاف بين المتدافعين حول السلطة

بقلم : نصر الدين رحال

سأحاول من خلال هذا المقال أن أشارك القارئ بعض الاختلافات والفوارق بين أصحاب الشهوات والأغراض، ومحبي النظام وسيادة حكم القانون، من حيث التدافع حول السلطة.

مبدئيًّا، فإن التدافع حول السلطة والوصول إليها كغاية أمر مشروع، ولكن غير المشروع فيه هو اختيار آليات ووسائل تخالف وتتنافى مع قواعد وأسس الوصول إليها. ومن أجل ذلك يتدافع الساسة عبر مقدراتهم ومجهوداتهم الشخصية أو الحزبية، بمبادئ وأفكار مختلفة لأجل الوصول إلى السلطة.

الحقل السياسي العام يتصارع فيه نوعان: ساسة ومتسيسون.

الساسة هم المصلحون الحقيقيون الذين يؤمنون بالمبادئ العامة للعبة السياسية، مثل احترام الاختلاف والتباين، والاحتكام إلى الوسائل المشروعة للتداول السلمي للسلطة، والوصول إلى حكم مدني راشد يصون الحقوق والحريات العامة من خلال دولة القانون المنشودة. وتحقيق ذلك يضمن النمو والتطور والاستقرار، والأمن والسلام العامين.

أما المتسيسون، فهم من نراهم يملأون الساحة السياسية تعطشًا وشهوةً إلى السلطة والحكم، وفق معاييرهم ووسائلهم الخاصة لتحقيق غاياتهم وأغراضهم الذاتية، دون خجل أو مراعاة لما يتركونه من آثار سالبة تلوث المشهد السياسي العام. فهم من ينطبق عليهم مبدأ ميكافيلي: “الغاية تبرر الوسيلة”، والمثل السوداني الدارفوري: “سلطة للساق ولا مال للخناق”.

وكذلك تنطبق عليهم الحكاية الدارفورية المعروفة، حيث يُروى أن شخصًا في “ضرار” من ضرارات دارفور (مكان تجمع الأكل)، كانت أمامه عصيدة وجوارها قرعة مليئة باللبن كملاح. وكان الحضور في انتظار باقي أهل “الضرار” ليأتوا بأطعمتهم، ليتناولوا الوجبة معًا. لكن يبدو أن الجوع ألمّ بذلك الشخص، فوقعت عيناه المتعطشتان للأكل على قرعة اللبن، وفي مشهد غريب وفريد على أهل الضرار، أمسك بالقرعة وشرب اللبن بأكمله، وتركها فارغة. فقال له أحدهم:
“يا حاج فلان، دا عيب! تشرب اللبن وتخلينا ناكل العصيدة قرقاش (بدون ملاح)؟”
فما كان منه إلا أن رد قائلاً:
“هاي ترا، في ذِمّنا، دا شغل كان بنفعك وسويتو، ولا عيب.”

فهؤلاء هم المتسيسون. فإن كان هناك حكم مدني ديمقراطي قائم، ولا تتوفر لهم الإمكانيات اللازمة لوجودهم فيه، فإنهم يسعون لتقويضه عبر الانقلابات العسكرية، وتحويل السلطة إلى يد العسكر، ليكونوا خلال الأنظمة الشمولية بديلاً عن السياسيين المدنيين الحقيقيين، الذين لا يقبلون الجلوس على كراسي السلطة إلا عبر انتخابات عامة.

وكذلك تجدهم، إن نُودي إلى انتخابات، يستعملون الأساليب الفاسدة من تزوير وشراء ذمم الناخبين وغير ذلك.

هذا هو الفرق بين الساسة الحقيقيين والمتسيسين الانتهازيين.

إرسال التعليق