عزيز الدودو : التدخل التركي المصري .. ما أشبه الليلةَ بالبارحة!
تتواتر الأنباء عن تدخل عسكري “تركي-مصري” في السودان لدعم ما يُسمى بالجيش السوداني، الذي بدأ يفقد السيطرة على مواقعه وحامياته العسكرية، وتسقط المدن الواحدة تلو الأخرى، حتى أحسّت القوى الاستعمارية بتهديد مصالحها ونفوذها في السودان، فبادرت إلى التدخل لإنقاذ ما تبقى من إرثها الاستعماري في البلاد.
كل المؤشرات تشير إلى تكرار السيناريو القديم، بنفس الآليات التي استُخدمت أيام الاستعمار التركي-المصري، وبالتحالف مع نفس القوى التقليدية التي ارتبط ولاؤها منذ القدم بالقوى الاستعمارية.
لقد رحل الاستعمار القديم شكلياً، لكنه بقي متخفياً في المؤسسات وعقول نخبنا السياسية، فلا زلنا تحت الوصاية وحكم الأفندية وتوابعهم. لذلك فإن هذه المعركة نراها معركة مصيرية لتطهير الأرض من عملاء الاستعمار. وإن حدث هذا التدخل واشتبكنا معه، فمن المؤكد أننا نزداد قناعة بعدالة قضيتنا، وسنتذكر حينها تضحيات أجدادنا الأبطال الذين هزموا الأتراك والمصريين والمرتزقة الأوروبيين بقيادة غردون باشا، الذي تدحرج رأسه في أرض المعركة.
مع أن الفارق في العتاد والسلاح كان هائلاً؛ حيث كان أجدادنا يحملون السيوف والرماح في مواجهة المدافع والبنادق الآلية، وجيش تركي كان من أقوى جيوش العالم آنذاك، إلا أن الإرادة انتصرت، ونلنا حريتنا ومشى أجدادنا على أرضهم بعزة وشموخ. ونحن على ثقة بأن التاريخ سيعيد إنتاج تلك البطولات.
الآن، نرى بعضاً من أبناء الوسط النيلي – ممن رضعوا من ثدي الخيانة – يستقبلون خبر التدخل بترحاب مخزٍ دون حياء، على غرار ما فعله أسلافهم بموالاتهم للاستعمار وتآمرهم على الثورة المهدية. إذا قسنا الأمور بهذا الشكل، فماذا يقول الجزائريون الآن إذا تدخلت فرنسا في الجزائر لقمع ثورة محلية؟ هل سيرحب الوطنيون الجزائريون بهذا التدخل؟ أو إذا تدخلت إيطاليا مثلاً في ليبيا ضد أحد أطراف النزاع، هل سيرحب الليبيون بالطليان نكاية في بني جلدتهم لمجرد خصومة سياسية ونزاع داخلي؟
هل سيسمح الكونغوليون بإعادة الغزو البلجيكي مثلاً؟
فلماذا يبرر أهل السودان قبول التدخل الاستعماري “التركي المصري” لحسم معركة داخلية؟ أليست هذه خيانة عظمى؟
بل إن عمسيب، في إحدى تفسيراته الملتوية التي يحاول فيها تبرير انحياز أجداده للمستعمر التركي المصري، قال: إن إسلام أهل النهر كان “إسلاماً عالماً” بينما إسلام أهل دارفور وغرب السودان كان “إسلاماً جاهلاً”، فيبرر بذلك صراحة أن الولاء للمحتل هو انحياز للعلم والمعرفة!
ونحن نرد: إن أهل الغرب قاوموا المحتل لأنه غازٍ ودخيل، وهذه هي الفطرة السليمة. أما من انحازوا للاستعمار ضد أبناء وطنهم، فليس ذلك دليلاً على علمهم، بل على العكس من ذلك، إنه دليل على جهلهم وسقوطهم اخلاقياً ووطنياً.
بل لو أردنا تقييم الواقع اليوم، لوجدنا أن “إسلام أهل النهر” قد تحوّل في كثير من مظاهره إلى ممارسات قبورية أقرب إلى الوثنية، بينما ظل الغرب السوداني أكثر نقاءً في تدينه وأبعد عن تقديس الأشخاص والقبور.
ختاماً يمكننا القول إن المعركة اليوم ليست فقط ضد قوى استعمارية تسعى لاستعادة هيمنتها على السودان، بل أيضاً ضد ثقافة الخيانة وتزييف التاريخ، وهي معركة هوية ومصير.. ولن نتراجع حتى تتطهر كامل البلاد من دنس الاستعمار.



إرسال التعليق