ياسمين آدم المصري : السودان بين وهم الحسم وحقيقة السلام - صوت الوحدة

ياسمين آدم المصري : السودان بين وهم الحسم وحقيقة السلام

بعد اكتمال مراسم الحكومة التأسيسية وأداء اليمين الدستورية، لم تتوقف ردود الأفعال المتناقضة على الساحة السياسية. فبين من يرى فيها بداية لاستعادة الدولة، وبين من يعتبرها مقدمة لتقسيم السودان، تظل الحقيقة غائبة و أن المواطن السوداني هو الطرف الأضعف والأكثر تضررا، وهو الذي لم يجد دولته إلى جانبه، لا قبل الحرب ولا أثناءها.

لقد اعتاد الخطاب السياسي في السودان على اختزال البلاد في جغرافيا محدودة، وإقصاء ملايين السودانيين خارج حدود السيطرة الرسمية، بل واعتبارهم مجرد أتباع “للطرف الآخر”. لكن أي دولة تلك التي تعجز عن احتضان مواطنيها؟ وأي مسؤولية تلك التي تلقى على الناس بحجة الولاءات، بينما الأصل أن الدولة مسؤولة عن رعاية جميع مواطنيها بلا تمييز؟

حينما لاحت فرص التفاوض، تعالت أصوات تقول “لا للسلام، نعم للحرب… بل بس”. كان ذلك إعلانا صريحا بأن الدم هو الطريق الوحيد. ومع ذلك، عندما جنح أحد الأطراف للسلام، تمسك الآخر بخيار الحسم العسكري وحده، كأنما الحياة السودانية رخيصة، وكأن الانتصار لا يتحقق إلا بإبادة الطرف الآخر. هنا انكشف جوهر الأزمة أن الحرب صارت مشروعا بحد ذاته، وأن الطرفين في النهاية التقيا على تأييد استمرارها، وإن اختلفت المبررات.

لكن الحقيقة التي يحاول الجميع تجاهلها، أن الموت لا يسجّل في دفاتر طرف واحد. الموت مسؤوليتنا الجماعية، جميعنا ساهمنا في تبريره بسرديات نعلم أن فيها شيئًا من الزيف. ومع ذلك مضينا فيها حتى أصبح الدم هو اللغة المشتركة.
اليوم، حين نضع الوقائع أمام أعيننا، ندرك أن الحكومة التأسيسية سواء أصابت أو أخطأت وضعت المواطن في مقدمة خطابها. المواطن الذي لا يعنيه من يحكمه، عسكريا كان أم مدنيا، بقدر ما يعنيه أن يجد الأمن، والتعليم، والصحة، والخدمات الأساسية التي تحفظ كرامته. هذا هو معيار الشرعية في عيون البسطاء.

على مستوى الوعي، نعم هناك من يفرّق بين مدني وعسكري، بين شرعية سياسية وأخرى دستورية. لكن الواقع يفرض أولوياته وطن منهك يحتاج إلى حلول، إلى تنازلات، وإلى شجاعة تضع السودان أولا فوق كل المصالح الضيقة.

وهنا يبرز دور الشباب. إن مستقبل السودان لن يبنى إلا بإرادة شبابه، بالتحرر من سرديات الحرب، وبالإيمان بحق الشعوب السودانية في الحياة، في العدالة، وفي تقاسم الفرص. هذه ليست مجرد شعارات، بل عقد اجتماعي جديد يضع حدا للحروب الدائرة، ويعيد الوطن إلى سكّة السلام الحقيقي.
فالتاريخ لا يكتب بمن انتصر على من، بل بما إذا كان جيلنا قادرا على أن يقول كفى دما، ولنضع السودان في المقدمة.

إرسال التعليق

لقد فاتك