عمر النعيم عمر : بداية الطعن في المجتمعات: قراءة في قرار والي سنار
المقدمة
لم يكن قرار والي ولاية سنار، الزبير حسن السيد، بشأن إلغاء شهادات تسليم المشتبه فيهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع مجرد إجراء إداري عابر، بل جاء القرار كرصاصة جديدة تُصوَّب نحو المجتمعات المحلية، في لحظة تاريخية دقيقة تحتاج فيها البلاد إلى بناء جسور الثقة لا هدمها. القرار قدّم نفسه كخطوة قانونية لتنظيم التعاملات الأمنية، لكنه في عمقه يُعيد إنتاج سياسة الاتهام الجماعي، ويحوّل المواطن من كائن حر إلى هدف دائم للاشتباه والابتزاز.
المشكلة
القضية ليست في نص القرار بقدر ما هي في روحه؛ فهو يضع كل مواطن تحت مظلة الشبهة، ويُلغي كل الضمانات السابقة التي استند إليها أفراد كُثر لتبرئة أنفسهم أو حماية ذممهم. النتيجة أن آلاف الأبرياء أصبحوا مهددين بأن يُعاد فتح ملفاتهم من جديد، حتى لو لم تكن لهم أي صلة بالتعاون مع الدعم السريع. إنها محاولة لتخويف المجتمع وإبقائه رهينة بين خيارين: إما أن تُصنَّف داعماً للحرب أو أن تُواجَه كعدو محتمل. وهنا تكمن خطورة القرار؛ إذ يجعل البراءة جريمة مؤجلة، والذمة مفتوحة للابتزاز إلى أجل غير مسمى.
التشخيص
1. ضرب النسيج الاجتماعي:
القرار يخلق أجواء من الريبة والاتهام المتبادل بين الأهالي، ويفتح الباب لانقسامات أعمق داخل مجتمع هشّ أصلاً بسبب الحرب.
2. شرعنة الابتزاز السياسي والأمني:
إلغاء الشهادات السابقة يجعل كل فرد في مرمى التهديد، بحيث يمكن استدعاؤه أو مساومته في أي وقت، لا على أساس الجناية، بل على أساس “الاشتباه”.
3. إعادة إنتاج العدو الداخلي:
بدلاً من حصر المواجهة في قوات الدعم السريع يُصوَّر المجتمع نفسه وكأنه متهم يحتاج لإثبات براءته، وهذه الوصفة المثلى لتأبيد الحرب الأهلية.
4. غياب العدالة:
الأصل أن يُحاسب كل متعاون ارتكب جناية محددة وفق محكمة عادلة، لا أن يُترك الأمر لقرارات فضفاضة تُستغل لتصفية الحسابات الشخصية أو القبلية.
العلاج والتوصيات
1. ترسيخ سيادة القانون:
العدالة لا تُبنى بالقرارات السياسية بل عبر مؤسسات قضائية مستقلة. كل متهم يجب أن يُقدَّم لمحاكمة عادلة، والبريء يجب أن يُصان من أي ابتزاز.
2. حماية المجتمع من الشبهة الجماعية:
على القيادات الأهلية والمجتمعية أن تتكاتف لرفض سياسة الاتهام المفتوح، وأن تدافع عن حرمة المجتمع من الانزلاق في فخ التخوين الجماعي.
3. فصل الحرب عن الإدارة:
القرارات الإدارية يجب أن تخدم الناس وتحميهم، لا أن تُستغل كسلاح جديد في الحرب النفسية على المواطنين.
4. بناء خطاب وطني جامع:
يجب أن تعود النخب السياسية والإعلامية إلى التأكيد أن الحرب ليست بين مجتمع “متعاون” وآخر “مخلص”، بل هي حرب سلطة .
5. المراجعة الروحية والأخلاقية:
الحرب كشفت أن هذه الدنيا ليست دار استقرار، وإنما دار ابتلاء وفتنة. والفرار الحقيقي ليس إلى القوى المسلحة ولا إلى الولاءات المؤقتة، بل إلى الله وحده، وإلى قيم العدل والحرية والمواطنة.
الخاتمة
إن قرار والي سنار ليس إلا بداية لطعن جديد في جسد المجتمعات المحلية. هو ليس خطوة نحو العدالة، بل نحو الفوضى، إذ يضع الأبرياء في خانة المذنبين، ويفتح الباب واسعاً أمام الابتزاز الأمني والسياسي. إذا استمرت مثل هذه القرارات في تشكيل الواقع، فلن يكون هناك مجال لبناء سلام حقيقي، بل مزيد من الشرخ والانقسام. إن الخروج من هذا المأزق يبدأ بإعادة الاعتبار لدولة القانون، وبحماية المجتمعات من أن تُستباح تحت غطاء “الاشتباه”
إرسال التعليق