الطيب علي (جلجامش):في كون الدعم السريع ثورة ونقد النزعة الاختزالية؛ النويشط معمر موسى نموذجا
لعله من المهم في هذه اللحظة المفصلية، وفي معرض ردنا على من يختزلون التغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية الكبرى التي تحدث في السودان في أطماع أسرة صغيرة، أن نقتبس المفكر الألماني الشهير، كارل ماركس، ومقدمته الشهيرة لبيان الحزب الشيوعي التاريخي الصادر عام {1848}م، ولكن بتحريف، ونقول: شبح يخيم على سماء السودان، إنه شبح ثوار البوادي والدمر والقرى والفرقان، وضد هذا الشبح اتحدت جميع قوى الدولة القديمة: المرشد الأعلى للحركة الإسلامية، الجيش وقائده وفلنقاياته، جهاز أمن الدولة القديم واليمن واليسار السوداني بحزبه الشيوعي وباقي أحزاب الفكة؛ جيمعها اتحدت في طراد رهيب لطرد هذا الشبح.” ولعل ما يبرر هذا الاقتباس، هو ذلك التناص المثير للدهشة بين ما أراد ماركس تحقيقه من البيان الشيوعي في ذلك الوقت وما نسمية بالنزعة الاختزالية في الفضاء العام السوداني؛ ذلك أن ماركس أراد من كتابة البيان أن يتم الاعتراف بالطبقات الكادحة وأحزابها الشيوعية كقوى اجتماعية فاعلة في التاريخ في أوروبا الرأسمالية، والذي لا تريده القوى الرأسمالية. أما في السودان فنلاحظ أن تغييرات جذرية كبرى قد حدثت نتيجة هذه الحرب الحالية، أسفرت عن دولة جديدة تتخلق الٱن، فيما تمضي الدولة القديمة، دولة (56) إلى زوال، بفعل قوى اجتماعية نسميها بالقوى الاجتماعية الرعوية؛ رغم ذلك يصر أنصار الدولة القديمة على اختزال كل ذلك في أطماع أسرة!
بعبارات أخرى، في الحين الذي أصبحت فيه القوى الاجتماعية الرعوية التي تمثلها قوات الدعم السريع، قوى فاعلة رئيسية داخل الاجتماع السياسي السوداني ومضت في تأسيس تحالفات استراتيجية مع القوى الاجتماعية الأفريقية ممثلة في الحركة الشعبية/شمال وبقية الجماعات العسكرية مثل حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي/الطاهر حجر، وكل القوى الاجتماعية المهمشة تاريخيا والقوى المدنية والسياسية الأخرى الموقعة على ميثاق تأسيس؛ في الحين الذي أصبحت لهذه القوى الاجتماعية دولة جديدة تعبر عن مصالح هذه المجتمعات الواسعة؛ في هذا الحين، نجد أن أنصار دولة (56) يصرون على أن كل ما يحدث نتاج أطماع أسرية ضيقة لأسرة يسمونها ب«ٱل دقلو». وهم عندما يغعلون ذلك، يختذلون الفعل التاريخي لهذه القوى الاجتماعية ونتائجه السياسية، التي أهمها تأسيس حكومة في غرب السودان، في مصالح أسرة «ٱل دقلو»؛ حتى لا يعترفوا بالواقع الماثل أمامهم، من أن هذه الحكومة والدولة الجديدة تمثل مصالح قوى اجتماعية واسعة، وليس مصالح أسرة صغيرة أو حتى قبيلة كاملة.
إن من المهم هنا أن نؤكد، على أن هذه النزعة الاختزالية هي الموقف الطبيعي لأنصار الدولة القديمة، ذلك أن اعترافهم بأن الدولة الجديدة تمثل مصالح قوى اجتماعية، وبالتالي جماعات قبلية وسياسية وتشكيلات اجتماعية واسعة، يعني الاعتراف بشرعية هذه الدولة الجديدة. لكن، ولأن هذا الاعتراف قاسي عليهم فلابد أن تكون هذه التغيرات العسكرية والسياسية والاقتصادي الكبرى بفعل أطماع أسرة صغيرة. مثالا على ذلك نأخذ حالة النويشط الداعم لدولة {56}، معمر موسى محمد، والذي نسميه بالحالة النموذجية للتناقض في المجال العام السودان، حيث كتب على صفحته بالفيسبوك : “الدعم السريع ليس تنظيما ثوريا ولن يكون، ذلك أنه، وببساطة، عبارة عن عائلة (ال دقلو) كونت إمتيازها بالاستفادة من نمط السلطة الإرثي حيث استفادت من الدولة (كغنيمة) في زمن الإنقاذ ، وفي نفس الوقت متحالف اقتصادياً مع كبار السوق الإرثيين وسياسيا مع الأحزاب السياسية الإرثية ووكيل محلي لمشروع استعماري جديد”، ويستنتج النويشط ، معمر موسى، “إذاً الدعم السريع ليس تنظيما ثوريا بل مشروع عائلة إرثية فشل فتحول لجماعة إجرامية.”
إن رؤية النويشط معمر هذه، هي تعبير عن تفكير رغبوي أكثر من كونها تعبير عن تنظير سياسي جدي، ذلك أنها تناقض نفسها، خاصة وأنه يعرف القوى الإرثية بأنها، “عبارة عن تجمع سلطوي بيشمل العائلات التي كونت ثرواتها وحصلت إمتيازها السياسي والمعرفي عبر علاقتها التاريخية مع الإستعمار ومن ثم حافظت على هذه الامتياز عبر توظيف جهاز الدولة مابعد الإستعماري وتناقلته بين الاجيال عبر الية التوارث.”. ويتضح التناقض من أن أسرة ٱل دقلو لم تكن، تاريخيا، من الأسر الإرثية التي تحالفت مع الاستعمار، أو التي وظفت جهاز الدولة لصالحها إلا في العام 2013، وبالتالي لم تكن مستفيدة من الدولة تاريخيا لا في الحقبة الاستعمارية أو الوطنية. نستنتج هنا، أن تعريف النويشط معمر موسى للقوى الإرثية لا ينطبق إلا على داعمي الدولة القديمة التي يدعمها هو أيضل، ذلك أنها كما يقول دولتهم التي يراكمون عبرها الثورة ويحافظون عليها عبره، ولا يمكنهم إلا أن يدافعوا عنها. من هنا نؤكد، أن رغبوية النويشط معمر موسى، تكمن في أن اعترافه بلا إرثية أسرة دقلو، هو اعتراف ضمني بثورية قوات الدعم السريع، واعتراف أصرح بأن دعمه الدولة الحالية يعني دعمه للقوة الإرثية التي يقول أنه يقف ضدها!. أخيرا، إن النويشط معمر، الحالة النموذجية للتناقض، وجميع داعمي دولة {56}، يعلمون أن اعترافهم بأن الفعل السياسي والعسكري، الذي يفرض دولة جديدة في غرب السودان تهدد دولتهم، هو فعل قوى اجتماعية واسعة ومؤثرة في السودان، وليس أسرة أو حتى قبيلة، ويعني أيضا اعترافهم بشرعيتها وشرعية الفعل الذي فرضها، وهذا ما لايريده النويشط معمر وأمثاله من النشطاء الداعمين لدولة {56}في المجال العام. ونقول ٱخيرا، ولأن الدعم السريع وثوار البوادي قد حطموا الدولة القديمة، دولة القوى الإرثية، لذلك هو ثورة، وهم ثوار.
إرسال التعليق