محمد الحبيب يونس :المعركة بين الدين والعلم توهم أو حقيقة
لقرون طويلة كان الإنسان ينظر إلى الكون من خلال منظار الدين فقط. بدأت هذه الرحلة الفكرية مع الوثنية التي قدمت إجابات لغالبية الظواهر التي يراها الإنسان مثل الأساطير اليونانية التي جعلت لكل ظاهرة إلهاً؛ فللبرق إله وللبحر إله وللجمال إله، وللحب إله.. إلخ… كانت هذه الآلهة هي الإجابات التي تسد فجوة التساؤلات في وعي الإنسان.
ولأن كل فكرة تحمل في طياتها نقيضها لم تستطع الأساطير الصمود طويلاً، فظهر الدين وقدم إجابات جديدة اطمأن لها البشر. لقد نقل الدين الإله من الطابع البشري المحدود إلى طابع أكثر اتساقاً مع طبيعته الخارقة بوصفه خالقاً وعادلاً، فجرّده من الصفات الإنسانية المشاعر والغرائز التي لا تليق به وجعله متعالياً عليها. وهكذا قدم الدين تصورات جديدة عن ظواهر الطبيعة وما وراءها أكثر تماسكاً واتساقاً.
لكن مع حتمية التطور وخاصةً التطور العلمي بدأ العلم ينافس الدين في تفسير الوجود ويتقاطع ويتعارض معه أحياناً. ومن هنا خرجت إشكالية التضارب بين بعض تصورات الدين للكون وتصورات العلم ومن أبرز أمثلة ذلك: كروية الأرض ومركزيتها، ونظرية التطور، والنسبية ونظرية اللا شعور وغيرها.
لكن لو عدنا إلى وظيفة الدين الأساسية، لوجدنا أنها تتمثل في العبادة ومعرفة الله والأخلاق. أما بخصوص المعارف الأخرى، فالدين لم يغلق الباب عليها، بل تركها كورقة بيضاء ليملأها الإنسان بنفسه. وفي هذا تحقيق لإنسانيته وخلافته لله في الأرض فهو ليس كالحيوان الذي يعمل بغرائز وعقل محدود، بل له عقل كامل عليه أن يستخدمه ليكتشف ويبدع بنفسه، فلو أسلمنا بأن الدين قد أجاب على كل صغيرة وكبيرة فإن هذا الاعتقاد سيجعل العقل الإنساني بلا وظيفة وبذلك نلغي إنسانية الإنسان ودوره في الخلافة لأن كل شيء أصبح جاهزاً سلفاً فلا حاجة للإبداع واستخدام العقل.
الاعتقاد بتغطية الدين لكل جوانب الحياة يعنى إلغاء العقل والإنسانية معاً؛ لأن الوحي لم يترك مساحة إشكالٍ لترى فيه الإنسانيةُ مقدراتِها العقلية، وبهذا الفهم لا يكون الإنسان خليفة في الأرض لأن الفارق بينه وبين الحيوان صار ضيقاً فكلاهما في هذه الحالة يقوم بالسير وفق خطة مسبقة فلا يوجد بياض تملؤه الإنسانية، فخلاف الإنسان في الأرض تعني ابداعه المستمر في اكتشاف القوانين والعلوم لأجل إعمار الحياة فالخلافة تعني استخدام العقل وتوظيفه والعقل لا يسخدم إذا كان كل شيء جاهز ومعلب بل لابد من فراغ معرفي وتساؤلات تحاول العقول الإجابة عليها.
إن شمولية الدين لا تعني أنه جامع لكل العلوم والمعارف، فالدين شامل فيما يخصه كدين، ومن هنا فإن البحث في النصوص الدينية عن إجابات علمية يفضي أحياناً إلى تناقضات ظاهرية.
إرسال التعليق