عزيز الدودو يكتب : سقوط مناوي من النضال إلى الإرتزاق
منذ بداية انحياز مناوي للجيش، كنا نعلم المصير المشؤوم للحركات المسلحة التي تحالفت مع الجيش ووقفت معه موقفًا انتهازيًا وتحالفًا تكتيكيًا، نتيجته الحتمية هي الخسران المبين للرصيد السياسي والنضالي للحركات، إذا كان لها رصيد نضالي من الأساس.
مناوي في بداية انحيازه برر موقفه بالحديث عن الانتهاكات، لكنه كان يكذب كذبًا بواحًا ولا يريد أن يقول الحقيقة. فالحقيقة هي أن مناوي قبض ثمن تحالفه مع الجيش ملايين الدولارات، فكسب الجيش وخسر مناوي. وها هو اليوم يدفع ثمن تهوره وطمعه للمال وتعطشه للسلطة، بأن يفقد رئاسته للإقليم، وتخلى الجيش عن مساندته لفك الحصار عن الفاشر والتمدد غربًا للسيطرة على دارفور.
إذا كان مناوي قد انحاز للجيش دفاعًا عن المواطنين بسبب الانتهاكات المزعومة، فلماذا صمت عن الحديث عن انتهاكات الجيش رغم بشاعتها وانتشارها على نطاق واسع، لدرجة تدخل المنظمات الدولية بالإدانات والعقوبات؟
الانتهاكات التي كان يتحدث عنها مناوي في دارفور هي مواجهات مباشرة مع مواطنين تم استخدامهم والتلاعب بهم بواسطة الاستخبارات العسكرية لإحداث فتنة مجتمعية، وتقسيم أبناء الإقليم إلى عرب وزرقة، بهدف هتك النسيج الاجتماعي، وبالتالي تعطيل المشروع الثوري النضالي لمصلحة النخب المركزية الحاكمة في الخرطوم.
أما إذا نظرنا إلى انتهاكات الجيش، فهي انتهاكات ممنهجة تستهدف مكونات غرب السودان بشكل خاص، مستهدفة الأطفال والنساء والشيوخ بواسطة كتائب عنصرية جهادية متطرفة، وهي مشابهة لما يحدث في سوريا. جميعهم على عقيدة واحدة كمتطرفين إسلاميين يتبعون لجماعة الإخوان المسلمين، والقاسم المشترك بينهم هو التطرف والإرهاب.
إذا كان الدعم السريع مليشيا كما يقولون، فالمليشيا هي قوة غير نظامية لا تمتلك مؤسسات قضائية وقانونية، لذلك يمكن أن تصدر العقوبات بناءً على تقديرات القيادة الميدانية. لكن الذي حدث أن الجيش أثبت أنه هو المليشيا، وقام بتنفيذ إعدامات ميدانية بشكل لا نراه إلا في أفلام العصابات والمتطرفين الدواعش. إذن، ما الفرق بين الجيش والمليشيات؟ وكيف ندافع عن دولة يتحول فيها قطاع الطرق وأولاد الشوارع إلى قضاة يصدرون الأحكام بالموت وينفذون الإعدامات بكل هذه الوحشية أمام مرأى الأطفال والنساء؟
مناوي ليس لديه مشروع سياسي، وليس له مطالب سياسية مرتبطة بمصالح الشعب، بقدر ما هو يلهث وراء المال والسلطة والاستوزار. والدليل أنه وقع اتفاقيتين للسلام مع الحكومة، لكنه لم يقدم حلولًا للمواطنين النازحين في الفاشر، وهو الآن يحتجزهم للاحتماء بهم كدروع بشرية ورافعة سياسية له كحاكم لإقليم لا يسيطر فيه إلا على مساحة لا تتجاوز 5 كيلومترات مربعة.
الآن تم تشكيل حكومة في نيالا، وأصبح الدعم السريع سلطة سياسية ذات مشروعية مسنودة بتحالف يجمع بين فصائل عسكرية وتنظيمات سياسية مدنية عبر “تحالف السودان التأسيسي”، الذي سيكون كيانًا شرعيًا وممثلًا للسلطة الانتقالية في السودان. هذا التحالف تجاوز مناوي، بل تجاوز حتى البرهان وسلطته الانقلابية. وحديث مناوي الأخير عن عدم ممانعته في التواصل مع الدعم السريع ما هو إلا تعبير صريح عن حالة اليأس وفقدان البوصلة. بعدما كان لمناوي دور محوري وسلطة مركزية في الإقليم، تحول إلى مجرد تابع لا يملك قراره. وحديثه هذا لا يعدو كونه “فَرْفَرَة مذبوح”، لأنه لا يستطيع الدخول في حرب مع الجيش وسط مجتمعات معادية. الخيار الوحيد لمناوي هو أن يقوم بمناورات سياسية ويتقرب من موقف الدعم السريع، بالتزامن مع اجتماعات الرباعية، لإحراج الجيش أمام المجتمع الدولي.
إرسال التعليق