مردس إبراهيم يكتب : لحظة الميلاد و بداية الدولة الجديدة
في لحظة مفصلية من تاريخنا، كنا قلة من أبناء الهامش، أبناء الفئات التي طالها تهميش بنيوي تم ترسيخه عبر قرون من احتكار السلطة والثروة والخطاب من قِبل المركز ذلك الكيان المتخيل الذي تنكّرت فيه الدولة لمواطنيها على أطرافها الجغرافية والاجتماعية. كنا نؤمن، انطلاقًا من موقعنا كـ”طليعة ثورية”، أن عدالة قضيتنا ليست هبة تُمنح من أعلى، بل حق يُنتزع بنضال واعٍ، سواء اتخذ شكل السلمية أو العنف التحرري.
في تلك اللحظة، اخترنا النضال السلمي لا عن قناعة مطلقة، بل عن قلة في الوسائل، ووعي بالمرحلة. لكننا كنّا نعي تمامًا أن من لا يُمنح صوتًا في بنية الخطاب المهيمن، لا بد أن يصنع لغته الخاصة. واليوم بعد أن حانت الفرصة كشفنا بنية السلطة، واصطفينا مع فئاتنا الاجتماعية المهمشة “الغبش”، الذين ارتدوا الهامش على أجسادهم كهوية، تحت راية “R.S.F” المؤسسة الوحيدة التي فتحت ثغرة في جدار الصمت، وكسرت احتكار المركز للتمثيل.
لقد كنا نظن أن أبناء فئاتنا الذين ارتضوا القتال في صفوف الجيش المختطَف “الفلنقايات” سيرون الحقيقة، وينحازون لهويتهم المتعددة، لا لصورة الذات التي صاغها لهم المركز. لكنهم، ودون أسف، انخرطوا في دفاع أعمى عن منظومة من الامتيازات الطبقية والعرقية، في تمثيل لا يعكس الواقع بقدر ما يخدم بنية الهيمنة.
ونحن اليوم نحتفي بالانتصار نعلن اليوم ان لحظة ما بعد الاستعمار الداخلي، حيث لا يأتي القمع من خارج الحدود، بل من داخل الدولة، من مركزها الذي يعيد إنتاج استعمار قديم بأدوات جديدة قد انتهت وافل نجمها وأُكل صنمها.
هذه التجربة هي امتداد لتجارب النضال التاريخية الا انها فريدة إذ علمتنا أن الهامش ليس فقط مكانًا جغرافيًا، بل هو موقع مقاومة، ومصدر سردية مضادة، تمزق خطاب الهيمنة وتعيد تشكيل المستقبل.
إرسال التعليق