(من ثقب الإبرة )ياسمين آدم المصري تكتب : تمكين النساء: بين التمثيل العددي والمواجهة الحقيقية للذات
تمكين النساء… مصطلح يتردد كثيراً على مسامعنا، حتى صار كأنه المفتاح السحري لحل كل إشكالات وجود النساء في الحياة العامة. نسمعه في المؤتمرات، في الوثائق، في خطابات السياسيين، وفي بيانات التأسيس، وأبرز ما يُشار إليه هو نسبة الـ40% التي أُقرت في الدستور الإنتقالي لسنة 2025 كمحاولة لضمان التمثيل النسائي في مواقع صنع القرار.
لكن السؤال الجوهري الذي لا نطرحه بجرأة هو: هل نحن كنساء مستعدات فعلاً لهذه المرحلة؟ هل نريد التمثيل بمعناه العميق؟ أم أننا نكتفي بعدد النساء دون نوعية الحضور؟
كثيراً ما نطالب بتمكين النساء، لكننا نسقط من حساباتنا أن التمكين ليس منحة ولا كوتة فقط، بل هو قرار، ومعرفة، وتضامن، وأداء فعلي في ميادين السياسة والعمل والمجتمع. هل نملك أدوات هذا التمكين؟ وهل نخلق بيئة حقيقية للنساء الأخريات؟ أم نكتفي بالمطالبة دون استعداد؟
دعونا نكون صريحات مع أنفسنا. النساء أنفسهن في كثير من الأحيان يُعدن إنتاج نفس أنماط الإقصاء والهيمنة التي يشكين منها. بعض من يصلن إلى المواقع لا يُمثلن النساء فعلاً، بل يتحولن إلى واجهة ناعمة لأنظمة تستفيد من وجودهن فقط في التجميل السياسي.
كثيرات يتحركن وفق منطق الفرصة الشخصية لا المسؤولية الجماعية. والقبيلة، المناطقية، التنافس الأناني، الانغلاق، كلها ممارسات تقف عقبة أمام تشكل مشروع نسوي جماعي متماسك. كم من مرة وجدنا النساء يتجاهلن تاريخ المناضلات السودانيات؟ أو لا يعرفن شيئاً عن نضالات النساء في دول قريبة أحرزن فيها تقدماً حقيقياً؟
التمكين ليس مجرد النسبة. التمكين هو أن تتاح لنا بيئة نختار فيها المشاركة أو عدمها بإرادتنا. أن نجد قوانين تحمينا داخل العمل العام، وتحفظ كرامتنا من الابتزاز.
التمكين أن تُفعّل القوانين لصالح النساء، لا أن تُعطّل لأن وجود المرأة يزعج البنية الاجتماعية.
التمكين أن تُمنح النساء فرص في القروض، التدريب، التمليك، والمشاركة في القرار، ليس فقط السياسي، بل الاقتصادي، الاجتماعي، والثقافي أيضاً.
لنفكر في رواندا، الدولة الإفريقية التي خرجت من حرب إبادة جماعية طاحنة عام 1994. بدل أن تنغلق على مآسيها، جعلت من تمكين النساء محوراً لإعادة بناء الدولة.
اليوم تُعتبر رواندا الأولى عالمياً في نسبة النساء في البرلمان؛ أكثر من 61% من المقاعد تشغلها نساء، وفقاً لإحصائية (IPU Parline).
لكن كيف حدث هذا؟ لم تنتظر النساء الروانديات أن تُمنح لهن الفرص، بل أعدن بناء الثقة، خضن العمل العام بقوة، أسسن جمعيات نسوية، وانخرطن في كل قطاعات الدولة، من الشرطة إلى الاقتصاد إلى البلديات.
وفوق كل ذلك، كان المجتمع نفسه، رجالاً ونساء، واعياً أن التعافي الوطني لا يتم دون النساء.
تمكين النساء ليس ترفاً ولا مظهراً، بل مشروع وطني.
لكنه يبدأ من وعينا نحن كنساء، وضرورة نقد الذات التي من خلالها نتحرر من عقلية الضحية، ومن أن نصنع التمكين لا أن ننتظره.
نحتاج لأن نكون مستعدات فكرياً ونفسياً وسياسياً.
نحتاج أن نكون متضامنات، لا متنافسات، وندرك أن لا أحد سيمنحنا تمكيناً ما لم نبنه بأنفسنا، لا من موقع الصراع مع الرجل، بل من موقع الشراكة في بناء الوطن
إرسال التعليق