عبدالعزيز إبراهيم حولي: الشعر لم يتراجع بل تراجعت ذائقة المتلقي. مشروع تغيير السودان على أسس جديدة يخاطب جذور الأزمة.
مرحبا بك الأديب واللغوي الأخ عبد العزيز إبراهيم حولي سعداء أن تكون ضيفا على صحيفة صوت الوحدة. بداية نود إعطاء المتابع بطاقة تعريفية عنك؟.
عبد العزيز إبراهيم حولي
مواليد. جنوب دافور نيالا
خريج :
جامعة النيلين
كلية الآداب
قسم اللغة العربية
☐ اختار عبد العزيز مجال النقد الأدبي حيث كان بحثه عن دارسة نقدية للرواية ما السبب الذي جعلك تفضل النقد على المجالات الأخرى؟
1- تحقيق رغبة ذاتية وحباً لهذا الفن، كان هذا هو السبب الذي جعلني أفضل النقد الأدبي على باقي نظيراته في بحث التخرج، فالنقد الأدبي يساعد على تقييم النصوص بشكل موضوعي وبه تميز النصوص جيدها من رديئها كما أن النصوص الأدبية أصبحت غير واضحة الدلالة، فأثرنا ان نبحر مع واحد من جهابزة الرواية العربية في هذا المجال.
التحديات التي واجهت عبدالعزيز في هذا المجال؟.
2/ هناك تحديات موضوعية تواجه كل باحث و من ضمن هذه التحديات في واقعنا السوداني هي قلة المصادر وصعوبة الوصول إليها.
كما أن الأدب (الرواية، القصة) في السودان لم تجد حظاً كافياً من الدراسة النقدية والتقويمية.
حدثنا أكثر عن طبيعة بحث تخرجك؟
3/ يدور البحث حول الرمز عند الطيب صالح في واحدة من أشهر اعماله الأدبية ( موسم الهجرة إلى الشمال) حيث تناولنا مدى تحقق الرمز في هذا النص ، كما توصلت الدراسة إلى أن العلاقة بين الرمز والواقع في هذه الرواية علاقة جدلية قائمة على التنافر والتداخل، فالطيب صالح كاتب رمزي من الدرجة الأولى، استطاع أن يوظف الرمز في أحسن صورة، خدمة للنص الروائي، مصادر الرمز عند الطيب صالح متنوعة متعددة، فقد جسّد الرمز بدقة و تلقائية في ذلك الصراع الحضاري والتنافس الشرس بين الشرق والغرب ، وكشف وجه المستعمر العنصري واستغلاله لموارد شعوب الشرق، حيث جاء ذلك في عمل روائي متماسك فنياً، مغطّى برمزية تبعده من التقريرية المباشرة.
☐ بوصفك مختصص في مجال النقد العربي، هل ترى أن نقدنا محايث لتطور الأجناس الأدبية ما ردك على ذلك؟
4/ بالطبع هو كذلك
لأنها دراسة ملتصقة بالنص وملازمة له وهذا هو جوهر المناهج النصية الحديثة التي تدرس النص لذاته مبتعدة عن العوامل الخارجية. والظروف المحيطة بالكاتب.
☐ يقال إن العصر هذا عصر الرواية والقصة في إشارة إلى تراجع الشعر، ما الأسباب برأيك التي جعلت الشعر يتراجع بعد أن كان سابقا صاحب الصدارة؟
5/ الشعر كنظم ومعنى لم يتراجع بل تراجعت ذائقة المتلقي، أصبح الإنسان اميل إلى المرئيات، كما أن هذا العصر هو عصر الصورة. والنص السردي نص حكائي يمارس عملية حوارية تثير حال القارئ وتجعله يتابع بشغف، لذا أصبح هناك ميول تجاه السرد.
كان الشعر في أيام العرب الأولى هو المتنفس الوحيد، لذا برعوا في اجادته، أما هذا الزمان كثرت فيه اضرب الفن، واختار كل إنسان ما يناسب هواه.
☐ إلى أي الأجناس الأدبية يميل عبد العزيز ولماذا؟.
6/اميل إلى السرد، فالموقف ليس موقف أفضلية وإنما هي ذائقة البشر في الاختيار
فالنص الروائي يكشف جوانب مختلف من الحياة الإنسانية ويعلاج قضايا جوهرية في المجتمعات كما أنه يتميز بعنصر التشويق وإثارة القارئ في متابعة الأحداث.
☐ هناك من يرى أن النقد الحديث تغيب فيه الأصالة وهو عبارة عن نسخ من الثقافة الغربية ما ردك على ذلك؟
7 / بالتأكيد تأثر النقد الأدبي ببعض التيارات الفكرية الغربية، كالبنيوية وغيرها، ولكن التغيرات التي حدثت لم تفقده الأصاله بل جعلته أقرب إلى المعيارية النقدية المطلوبه،
مع العلم الفنون لا تخلا من عملية التأثير والتأثر.
فالنقد الحديث يدرس النصوص من زوايا متعددة، و انه لصيق بدواخل النص، كما أنه وضع المتلقي في خانة واحدة مع الكاتب.
☐ هل تناسب القصيدة القديمة هذا العصر الذي تراكمت فيه المعارف وازدهرت فيه العلوم، وتطورت فيه الدساتير الأخلاقية، إذ ظهرت مفاهيم كالإنسانية وتقبل الاخر والتعايش السلمي، فلم يعد الشاعر هو شاعر القبيلة بل شاعر الإنسان في اي مكان وزمان ولم يعد الشاعر يمدح الملوك بل يتغنى بالإنسانية ومصيرها المجهول، وينقد الظلم وغيره، فهل يمكن للقصيدة القديمة ان تسوعب ذلك؟
8/ الشعر هو كلام والكلام ابن اللغة، فكما صلحت اللغة العربية لكل الأزمان، يسطتيع النص القديم أن يستوعب كل تناقضات هذا العصر، ولكن يحدث ذلك بعبقرية الشاعر والتزامه بالقضايا الكونية، واهتمامه بتجديد الشكل والمضمون واستخدام لغة العصر.
☐ بسبب رمزية الشعر وغموضه أصبحت هناك مسافة كبيرة بين الشعر و أغلبية الناس كيف نبني جسوراً بين القارئ والشعر؟
9/ عزوف القارئ عن الشعر وابتعاده عنه ليس للرمزية دخل فيه، ولكن كما ذكرت سابقا هذا العصر هو عصر الصورة،
كما أن الشعر بطبيعته قائم على الرمز والخيال، فالكناية ونظيراتها ماهي إلا رموز كلامية استخدمت في سياقات وازمنة مختلفة،، لأن الشعر اذا فقد الرمز أصبح كلامي تقريري لا مذاق له.
فالشعر هو لغة الخاصة من الناس، حظ الكل منه قليل،
لذا الهوة بين الشاعر والمتلقي العادي محتاجة فعاليات نقدية مكثفة و دراسات لغوية متجددة تسهل للقارئ عملية هضم المادة المطروحة.
☐ هناك هجوم كبير على الشعر الحديث خصوصاً من أنصار الكلاسيكية إذ يرون فيه أداه لهدم الماضي ما رأيك هل هو بالفعل يهدم الماضي أم أنه امتداد له؟
10 / الشعر الحديث فيه خروج نوعاً ما عن أساليب الشعر القديم، ويظهره تمرده جلياًّ على القافية والوزن، في تقديري هذا التمرد على الأساليب القديمة لم يكن هدما كاملاً بل هو تطور وتجديد، فهو نص يتطلبه العصر ليواكب حركة المجتمع ويعالج قضايا لصيقة بالواقع، فالشعر الحديث وليد انتكاسات سياسية وفكرية وسيكلوجية حرجه،
والشعر الحديث كما يقول ادونيس : ( هو فن يجعل اللغة تقول ما لم تتعود أن تقوله).
☐ السودان بلد متعدد الثقافات واللغات واللهجات ومع ذلك قل ان نجد دراسات للهجة ما أو دراسة عن الفوراق اللهجية وامتدادها في الماضي ما السبب وراء ذلك؟
11/ السودان بلد متعددة اللهجات واللغات بالطبع، ولكن النسقية الثقافية المركزية والتربية المنهجية المغلوطة هي ما أفضت إلى هذا الحال.
كما أن هذه اللغات واللهجات غير مكتوبة وهذا دافع يجعل الناس تعزف عن الخوض فيها.
☐ هل ثمة اختلاف كبير بين لهجة غرب السودان العربية واللهجات السودانية الأخرى؟
12/ بالطبع اختلاف البيئة يولد اختلاف في الكلام، لأن اللغة ظاهرة إنسانية، فلغة الحضر تختلف عن لغة البدو لأن اللغة بنت بيئتها.
فبموجب هذا الاختلاف البيئي يمكنك تحديد هوية المتحدث بسهوله من أي المناطق في السودان.
مع ذلك هنالك تشابه في لهجة غرب السودان البدوية مع لهجة البدو في كردفان وغيرها.
☐ أثبت دارسون أن كثير من الظواهر اللهجية في غرب السودان هي امتداد طبيعي للهجات عربية قديمة ومن ذلك أن عبدالله ابن مسعود قرأ إنا انطيناك الكوثر، وكثير ما نجد أن الفعل أعطى ينطق انطى والشواهد أيضا قلب الميم باءاً كمكان التي أصبحت بكان ما رأيك في ذلك وهل لك أن تحدثنا أكثر عن لهجة الغرب وعلاقتها بامها الفصحى؟
13/ لهجة غرب السودان العربية هي واحدة من لهجات العرب المتنوعة وهي بنت الفصحى، لكنها تطورت بشكل مستقل وتأثرت بلغات محلية، لكن هذا التأثير لم يفقدها أصلها.
فلهجة العرب البدو في غرب السودان هي أقرب إلى أمها الفصحى، لكنها لم تجد حظها من الدراسة.
☐ هل تأثرت اللغة السودانية بالحرب؟
14/ بالتأكيد هناك تأثيرات لغوية طالما للحروب افرازات في الواقع.
ومن ضمن هذه التأثيرات إمداد اللغة بكلمات غريبة وتوطينها في الحقل الدلالي.
☐ بوصفك أحد الشباب المستنير ما موقفك من الحرب ودورك الاجتماعي ودور كل الشباب ما يجب أن يقدموا سواءاً أكان عبر الميديا او في الواقع؟
15/ هذه حرب ضد دولة 56 تلك الدويلة النخبوية التي تجاوزت كل تنوعات الشعوب السودانية واحتكرت السلطة في إبطها وجادت بالعنف إلى الاخر المختلف،
هذه حرب لا تقبل الحياد ي صديقي، بالطبع موقفي هو موقف (الصفر الرقاق ) موقف الثورة، موقف التمرد، موقف الذين قالوا لا
فدور الشباب الواعية هو تقديم الخدمات التوعوية والرسالة الثورية المطلوبة.
فالإنسان دايما يتذكر ان مجتمعات الهامش محتاجة الكثير من الوقفات الصلبة كي تتعافي من خبث الدولة المركزية، ونظامها الغاشم.
☐ هل لديك تصورات لنهاية هذه الحرب؟
16/ لا أملك إجابة قطعية لكيفية نهاية الحرب، لكن مشروع تغيير السودان على أسس جديدة، يخاطب جذور الازمة السودانية، بمحاولة إصلاح بناء متهالك بعد هدمه وإعادة بناءه بأدوات أشد صلابة وتماسك، فالمجتمع السوداني في أمَس الحوجة إلى من يتطلّع به مشارف العدالة والحرية والإستقرار.
☐ هناك أصوات خصوصا في الشمال والوسط تطالب بالانفصال، ما رايك في الانفصال وينجم عنه لكل الدولتين في حال انفصل السودان؟
17/ الدولة السودانية راكوبة بلا أعمدة:
ومافي بناء بقم بدون أساس يتكئ عليه، الدولة السودانية قائمة على أساس هش وضعيف جدا
مجتمعاتنا السودانية غير متماسكة متنافرة ذات تركيبة وطنية هشة_ يسودها الجهل و الذاتية والانانية _ فغياب البعد القومي الوطني في هذه المجتمعات شكّل لنا أزمة تاريخية ممتدة مع الأجيال.
موضوع الهوية المزعزعة وعدم قبول الأخر والتصادم الثقافي دي كلها أمور خلقتها التنشئة الخاطئة القائمة على التخلف والجهل والرجعية.
هناك عوامل أخرى ساهمت في صناعة الأزمة وصعود هذا الصراع المتجذر إلى الأفق ولكن تبقى أساس المشكلة في تركيبة المجتمعات المعوجة دي
إذا أردنا إصلاح حقيقي نغير به حال الواقع السوداني فضروري نبدأ بإصلاح المجتمع وتغيير المفاهيم المغلوطة السائدة تاريخيا في هذه المجتمعات.
لابد من تنشئة جيل حقيقي يؤمن بقيم التعدد والتنوع ويقبل الآخر بكل اختلافاته.
لابد أن تحصل قطيعة جذرية مع تركيبة المجتمع التاريخية القائمة على التنافر والعنصرية البغيضة
هذه الحالات تأثر بشكل مباشر في أنظمة الدولة مما يجعلها ترجع إلى الخلف بدل من الصعود إلى التطور والتقدم
والأصوات اللتي تنادي بالانفصال واحدة من افرازات هذا الواقع المشوّه
نتمنى أن تكون هناك دولة سودانية موحدة برؤى مختلفة وافكار شمولية تسع كل طموحات الشعب السوداني.
حاوره: محمد الحبيب يونس



إرسال التعليق