التدخلات الإقليمية في السودان رعاية الإرهاب وإطالة أمد الحرب - صوت الوحدة

التدخلات الإقليمية في السودان رعاية الإرهاب وإطالة أمد الحرب

لم تعد ظاهرة الجماعات الإرهابية في منطقة القرن الإفريقي مجرد تحدٍّ أمني عابر، بل تحوّلت إلى معضلة إقليمية متشابكة تتغذى من التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية. فمع تنامي نفوذ هذه الجماعات في السنوات الأخيرة، برزت أدوار لدول إقليمية تجد في دعمها وسيلة لتعزيز مصالحها، سواء كانت أيديولوجية أو سياسية، وهو ما ينعكس مباشرة على استمرار حرب السودان وتعقيد مسارات حلها.

الإرهاب: من الشرق الأوسط إلى إفريقيا

شهد العالم خلال العقد الماضي جهودًا مكثفة لمحاصرة الإرهاب في الشرق الأوسط، بدءًا من الحرب على تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، مرورًا بتجفيف منابع التمويل في اليمن ولبنان، وصولًا إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتهم بدعم جماعات مسلحة متعددة. هذه التحركات الدولية نجحت في تقليص المخاطر المباشرة، لكنها دفعت الجماعات الإرهابية للبحث عن ملاذات جديدة، فكانت إفريقيا وبالأخص منطقة القرن الإفريقي الوجهة الأكثر هشاشة وقابلية للاختراق.

الموقف الأمريكي وصعود فكرة “الإخوان” كخطر عالمي

في هذا السياق، جاء النقاش الأمريكي حول سن قانون لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، ليؤكد اتساع نظرة واشنطن إلى جذور الإرهاب، وربطها بين البنية الأيديولوجية للتنظيمات وبين شبكات الدعم الإقليمي. إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ذهبت أبعد من ذلك عبر إطلاق خطة للسلام في المنطقة، حملت وعودًا بترتيب البيت الداخلي الإقليمي، لكنها سرعان ما واجهت معضلة التدخلات المتناقضة، خصوصًا من دول القرن الإفريقي.

إريتريا من السلام إلى الاتهامات

ترامب خاطب إريتريا بشكل مباشر، داعيًا إياها لدعم جهود الاستقرار، غير أن أصابع الاتهام وُجهت لاحقًا لأسمرا بأنها وفّرت أراضيها لتدريب عناصر مسلحة مرتبطة بحكومة البرهان، ما اعتبره مراقبون تناقضًا صارخًا بين الشعارات الدبلوماسية والممارسات على الأرض. الضغوط الدولية لاحقًا أجبرت إريتريا على التراجع النسبي، إلا أن حكومة بورتسودان لم تتوقف عند هذا الحد.

الصومال البديل الأخطر

مع انسداد الأفق في إريتريا، وجدت حكومة البرهان في الصومال وجهة بديلة. إلا أن اختيار مقديشو مثير للقلق لسببين: أولهما أن الصومال يعاني تاريخيًا من ظاهرة الإرهاب، خصوصًا عبر حركة الشباب التي ما زالت تنشط رغم التدخلات الدولية. وثانيهما أن أي تعاون عسكري مع الصومال لفتح معسكرات تدريب جديدة سيُنظر إليه إقليميًا كإعادة تدوير لسيناريو دعم الإرهاب في قلب المنطقة.

التداعيات الإقليمية والدولية

الاجتماعات المكثفة بين حكومة البرهان وحكومة الصومال لبحث فتح معسكرات تدريب لا يمكن فصلها عن مشروع إطالة الحرب السودانية، بل تمثل تهديدًا مزدوجًا:

  1. داخليًا: إضعاف فرص التسوية السياسية عبر تغليب الخيار العسكري.
  2. إقليميًا: إعادة إنتاج بؤر الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي.
  3. دوليًا: إرباك الجهود العالمية في مكافحة الإرهاب، وتحويل السودان إلى ساحة صراع مفتوحة قد تتجاوز حدوده.

الخلاصة

يمكن القول إن التدخلات الإقليمية، سواء عبر إريتريا سابقًا أو الصومال لاحقًا، تعكس عقلية الهروب إلى الأمام لدى حكومة البرهان، التي تبحث عن سند عسكري خارجي لتعويض فشلها الداخلي. لكن هذا المسار لا يعني سوى أمر واحد: أن حرب السودان ستطول أكثر، وأن منطقة القرن الإفريقي مرشحة لأن تصبح المسرح الجديد للإرهاب في عالم يحاول جاهدًا التخلص من إرثه الدموي في الشرق الأوسط.

إرسال التعليق

لقد فاتك