عمار نجم الدين يكتب :الحلقة الثانية أماني الطويل استراتيجة الملجة … سيد قطب في بورسودان - صوت الوحدة

عمار نجم الدين يكتب :الحلقة الثانية أماني الطويل استراتيجة الملجة … سيد قطب في بورسودان

حين قررت مصر، ذات صيف مشتعل في أغسطس 2013، أن تفض اعتصام رابعة العدوية، لم تكن تفعل شيئًا خارجًا عن سياق الدولة المصرية الحديثة. كانت ببساطة تنفذ ما تُتقنه: فضّ الخصومة بالعنف، وقطع الشك بالرصاص، وإخراس الصوت بالمصفّحات. ثم جاء الخطاب الرسمي: “اضطررنا لذلك حفاظًا على الأمن القومي”. وكان الرد الطبيعي: لاعتقال مرسي، وسجن بديع، وتمزيق الجماعة من الرأس إلى الذيل. هكذا قررت الدولة المصرية أن تنهي صفحة الإخوان المسلمين من الداخل وكان العالم الاول يصفق و قال دونالد ترامب امن السيسي رجله المفضل .

لكن… ذات الدولة، بذات العقل، تمد الآن ذراعها في السودان لتصافح وجوهًا مألوفة: نفس اللحية، نفس اللغة، نفس البنية التنظيمية، بل ونفس “التيار القطبي” الذي خرج من بين جنبي سيد قطب، ليُفرّخ لاحقًا كل شيء: من “الجهاد الإسلامي” في مصر، إلى “الحركة الإسلامية” في السودان، مرورًا بـ”القاعدة” و”داعش”، ووصولًا إلى “البراء بن مالك”.

السؤال إذن ليس عن الفرق بين هؤلاء، بل عن الفرق بين عقل القاهرة وعينها.

كيف ترى في البراء بن مالك جماعة إرهابية في سيناء… ومجاهدين في الخرطوم؟

كيف ترى في كتائب محمد بديع خطرًا على الأمن القومي المصري، لكنها ترحب بذات الروح حين ترتدي الزي العسكري السوداني وتقاتل في بورسودان؟
هنا تمامًا تكمن الفضيحة.

إن أماني الطويل، ومن ورائها الدولة العميقة في مصر، لا تميز بين “القطبي” و”الوطني”، ولا بين “المجاهد” و”الإرهابي”، بل تميز فقط بين من يخدم الهدف المصري ومن يعطّله. فإن كنت إخوانيًا مصريًا تهدد نظام السيسي فأنت إرهابي ومجرم… أما إن كنت إخوانيًا سودانيًا تقاتل ضد الدعم السريع، فأنت حليف وشقيق استراتيجي، وإن رفعت راية سيد قطب شخصيًا.

بديع – الذي وُلد في 1943 ويبلغ اليوم أكثر من ثمانين عامًا – لم تشفع له سنينه، ولا تاريخه الأكاديمي، ولا بيانه الانكفائي داخل سجن العقرب. أمضى حياته بين قضبان لا يزورها الإعلام المصري إلا ليضحك منها. لكن زملاءه في المدرسة القطبية نفسها، حين ارتدوا بزّات عسكرية ووقفوا ضد تحالف “تأسيس”، وجدوا من يمدهم بالسلاح والغطاء والطيران المسيّر.

كيف يُمكن فهم ذلك؟ إلا باعتباره انقلابًا في الأخلاق قبل السياسة.

البراء بن مالك ليست جماعة غامضة. هي امتداد صريح للفكر القطبي الجهادي، الذي يؤمن بأن المجتمعات الجاهلية – كما وصفها سيد قطب – لا تستحق الحياة، وأن إقامة دولة الإسلام تمر عبر إزالتها. نفس هذا الفكر الذي فجر الكنائس في مصر، واغتال السادات، وفجّر السياحة في التسعينات، هو الذي تحمله جماعة البراء اليوم، وتطبقه حرفيًا في قرى السودان: ذبح، نبش قبور، تفجير رؤوس، تصوير جماجم يتلاعب بها بالأقدام .

أماني الطويل تعرف كل هذا. تعرفه جيدًا. لكنها تختار أن تنكره. لأنها لا تعمل كمحللة، بل كـ”مكيّف هواء” للخطاب المصري، يتغيّر حسب اتجاه الرياح. ففي حين يصف الإعلام المصري جماعة البراء في سيناء بـ”الذئاب المنفردة”، تصفها أماني في السودان بـ”فلول المليشيات الخارجة عن القانون”، محاولة خداع الرأي العام بأن الجيش الذي يدير المعركة ضد الدعم السريع هو جيش وطني، لا جيش قطبي.

لكن من هو هذا الجيش؟

هو ذاته الذي انقلب عام 1989، بقيادة عمر البشير، بتنسيق تام مع الترابي، ومن رحم “تنظيم الضباط الإسلاميين”. هو جيش أعاد هيكلة نفسه على عقيدة قطبية بامتياز، درّب الضباط في إيران، وسلّح المجاهدين ضد أبناء جنوب السودان، وقتل باسم الدين أكثر مما قتل الاحتلال البريطاني.

من هو البرهان؟

هو ضابط قطبي تلقى تدريبه في مدن الظلام العقائدي.

ومن هم قادة الجيش؟

إما خلايا قديمة من الحركة الإسلامية، أو وجوه جديدة تتخفى خلف أسماء “السيادة” و”الوطنية”، فيما ملفاتهم تزكم أنوف العدالة الدولية.

لذلك حين تقول أماني الطويل إن البراء بن مالك جماعة إرهابية، لكنها تستثني الجيش السوداني من تهمة القطبية، فهي إما جاهلة – وهذا مستبعد – أو شريكة في التزييف المتعمد.

وفي الحالتين، هي تبيع لنا نفس البضاعة القديمة، في عبوة جديدة: “إخوانيون حلال للخرطوم، وحرام على القاهرة”، “تكفيريون أصدقاء إن كانوا ضد خصومنا، وأعداء إن كانوا ضدنا”، “قطبيون لا بأس بهم إذا قتلوا الأفارقة، ومجرمون إن اقتربوا من الأبيض المتوسط”.

نعم، هذا هو منطق الملجة السياسية.
هو ليس منطق دولة ذات استراتيجية، بل منطق دولة تفكر ببطنها، لا بعقلها.

لا ترى في البراء سوى “عربة يد” تدفع بها خضروات المصالح على حساب شعوب المنطقة.

ولا ترى في السودان سوى مائدة مفتوحة لنهش المياه، وتصدير الشكوك، وزرع الفوضى طالما كانت تحت السيطرة.
أماني الطويل؟

ليست سوى بائعة شطة في هذا السوق، تصرخ:
“البراء إرهابي بس طعمو كويس… والجيش السوداني هو الأم الحنونة وإن رضعت من نفس المدرسة القطبية.”

لكن التاريخ لا يُشترى من سوق الخضار.
ولا يُكتب بمنطق “من يغلبني ألعب له”.
ولا تُصاغ الشعوب من الطماطم والكرنب.

في الحلقة القادمة… سنكمل.
وسنقول لماذا لا تفكر الملجة، ولماذا سقطت مصر في فخ الأبدية، وتحوّلت إلى تاجر يبيع نفس السلعة في ليبيا ضد الإخوان، وفي السودان معهم… دون أن يطرف له عقل

إرسال التعليق

لقد فاتك