بشرى عبد الرحمن يكتب : الولادةُ هينة، والكلامُ تربيةالسجنُ بضيقِ مساحته ذكرٌ، والحريةُ بفسحةِ أفقها أنثى
في لحظة الإعلان عن ميلاد حكومة التأسيس، كانت تلك اللحظة أيضًا ميلاد ابنتي، مع بزوغ فجر ميلاد السودان.
الأول من يوليو 2025، محطة فارقة في تاريخ حياتي الخاصة، إذ كلما نظرتُ إلى ابنتي تذكّرتُ ميلاد السودان الجديد، السودان المؤسَّس على الحرية والعدالة والمساواة.
الإعلان عن حكومة التأسيس يفتح نافذة أمل في مستقبل ينعم فيه المواطن بالحقوق التي طال انتظارها؛ حريةٌ وعدالة، هما أساس كل حكم رشيد.
التحدي كبير، والمسؤولية جسيمة، وتتطلب عقولًا منفتحة لمواجهة السيناريوهات المحتملة، ومواجهة الواقع بكل ما فيه من تعقيد.
التعامل مع ثقافات متعدّدة وواقعٍ اجتماعي مركّب ليس أمرًا هينًا، خصوصًا في ظل تداخل المشكلات وتشابكها على مستوى القواعد الشعبية.
القدرة على الإجابة عن كل سؤال بمسؤولية، ومعالجة القضايا وفق قوانين تحمي الفرد والمجتمع، وتصون حريتهما، أمرٌ لا غنى عنه.
وفي ظل وجود “غوّاصات” داخل مناطق السيطرة، ينبغي التعامل معهم بعيدًا عن المزايدات العرقية. وهنا، يحضرني بندٌ في اتفاقية نيفاشا يقول: “جعل الوحدة جاذبة”. اليوم، لسنا في حاجة إلى “جاذبية الوحدة” بقدر حاجتنا إلى احترام تنوّعنا وثقافاتنا دون المساس بحقوق الآخرين.
جوهر حكومة التأسيس هو التراضي بين شعوب هذه الرقعة الممتدّة، شعوبٍ تطمح أن تحكم نفسها بنفسها، عبر نظام سياسي ودستوري متّفق عليه، يؤسِّس لدولةٍ خالية من الانحيازات العرقية والدينية والمناطقية، تُصان فيها حرية الفرد والمجتمع معًا.
فالتاريخ لا ينفصل عن الحاضر، بل يشكّل طريق المستقبل. ونحن أبناء شعوبٍ أنهكها تاريخ دولة 1956 الإقصائي.
وقد جاء الاتفاق في زمن الحرب، حيث لغة الرصاص هي السائدة، فكان توقيع وثيقة التأسيس خيار العقلاء؛ لأن الحوار وحده هو السبيل لحل المشكلات، حوارٌ يحترم اختلاف الآخر، ويحتفي باجتهاداته الفكرية والثقافية.
فرحتي بمولودتي التي أنشدُ فيها الحرية، لا تقل عن فرحتي بدولتي التي أنشدُ فيها العدالة. إنها لحظة تاريخية وفرحة شخصية، تجمع بين الأمل في مستقبلٍ أفضل للسودان، وبين البهجة بالحياة الجديدة.
إرسال التعليق