سارة السعيد تكتب : القاهرة على حافة التحول : مأزق الجيش السوداني و سيناريوهات التموضع الإقليمي
القاهرة على حافة التحول: مأزق الجيش السوداني وسيناريوهات التموضع الإقليمي
بينما تتسارع تحولات الخرائط في السودان تحت وطأة الحرب، تظل القاهرة ممسكة بخيط هشّ يربطها بمؤسسة عسكرية لم تعد تملك ما يمنح الحلفاء سوى المزيد من الإحراج. في شهور قليلة، انقلبت صورة الجيش السوداني من “الضامن للاستقرار” إلى مصدر ارتباك استراتيجي لحلفائه، إذ باتت ارتباطاته الأيديولوجية المتجذرة، وعلاقاته النشطة مع شبكات الإسلاميين والفاعلين الإقليميين كإيران وتركيا، تعيد تصنيف تحالفاته ضمن ما بات يُنظر إليه كـ”محور إسلاموي مموّه”.
على الرغم من النفي العلني لأي علاقة بنظام البشير، لا تزال البُنى الأمنية والاقتصادية التي كوّنتها الجماعة خلال ثلاثين عاماً ماثلة داخل مؤسسة الجيش، ما يجعل من الصعب على مصر تسويق دعمها كخيار براغماتي نابع من مصلحة الأمن القومي. فالتماهي مع مؤسسة مشتبكة مع الحرس الثوري الإيراني، ومع شبكات تهريب السلاح العابرة للحدود، ومع رجال أعمال محسوبين على الإسلام السياسي، يورّط القاهرة في جبهة قد تكون نقيضاً لما بُنيت عليه سرديتها الإقليمية منذ 2013.
من هنا، يُقرأ خطاب حميدتي الأخير بوصفه محاولة واعية لإعادة صياغة علاقة الدعم السريع بمصر، خطابٌ خلا من النقد التقليدي وامتاز بلغة تصالحية تُمهّد لبناء “شرعية وظيفية” مقبولة إقليمياً، دون تفكيك كامل للخطاب الوطني. وهو ما يُفسر الحذر المصري في الرد، وعدم صدور أي إدانة علنية منذ خطاب نيروبي.
في ظل المعطيات الراهنة، يبدو أن القاهرة تواجه خيارين استراتيجيين لا ثالث لهما:
السيناريو الأول، الاستمرار في دعم الجيش السوداني، رغم كُلفة هذا الخيار المتزايدة على المستويين السياسي والإعلامي، خاصة مع تصاعد الاتهامات الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وارتباط الجيش بمنظومات الإسلاميين العابرة للحدود. هذا السيناريو يحمل في طياته مخاطر عزل مصر إقليمياً، أو على الأقل تحجيم دورها في أي تسوية مستقبلية.
أما السيناريو الثاني، فيقوم على تحوّل حذر في التموضع، عبر فتح قنوات مباشرة أو غير مباشرة مع قيادة الدعم السريع، خصوصاً بعد الخطاب التصالحي الأخير من حميدتي تجاه القاهرة. هذا المسار يمنح مصر هامشاً أوسع للمناورة في ظل تغيرات المعادلة الإقليمية، ويعزز دورها كضامن للانتقال لا كطرف في الصراع. لكنه يتطلب قدرة على تجاوز الحسابات التاريخية وتعديل سرديات الدعم السياسي والعسكري السابقة.
تحت الرماد: الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في هذا الصدد، خاصة في ضوء التحركات الأمريكية المكثفة، وعودة الحديث عن تسوية شاملة تشمل إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والاقتصادية في السودان. في هذا السياق، قد تجد مصر نفسها مضطرة لإعادة تعريف من هو “الحليف الطبيعي”، لا وفق الذاكرة التاريخية، بل وفق من يمنحها فرص التأثير، لا الارتباط.
إرسال التعليق