الشلاقي ما خلّى عميان : الدولة السودانية في مفترق الطرق - صوت الوحدة

الشلاقي ما خلّى عميان : الدولة السودانية في مفترق الطرق

في واحدة من المناسبات، أطلق قائد قوات الدعم السريع تصريحًا مثيرًا، أصبح عنوانًا دالًا على الواقع السياسي والاجتماعي في السودان: “الشلاقي ما خلّى عميان”. إن لم تخني الذاكرة، فقد قيل هذا التعليق في مائدة أقامها مني أركو مناوي. هذا التصريح يعكس عمق الأزمة في البلاد، حيث تتجلى التحديات التي تواجه الدولة السودانية في ظل التغيرات الجارية، والوعي المتزايد لدى الشعوب بمفهوم الدولة والسلطة التي تمثلها، وانعكاساتها على الواقع الثقافي، المهني، والحقوقي للفرد والجماعة. كما يكشف عن شكل العلاقة القائمة ومدى فعالية الأدوات المستخدمة وقدرتها على تحقيق الرفاهية للمواطنين.

الدولة السودانية اليوم تعاني من أزمة حقيقية؛ فقد انتهى عمرها الافتراضي، ولم يعد الترقيع أو التكتيكات المرحلية كافيًا لإنقاذها. الوضع الراهن يتطلب إعادة نظر جذرية في النظام السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي.

بعض المدافعين عن استمرارية هذا الوضع المأزوم يستخدمون تكتيكات كـ”اللعب على الوقت”، أو “الفهلوة” بمصطلحات مثل “تكنوقراط”، أو “الترميز التضليلي”. لكنها مجرد محاولات للتغليف لا تعالج القضايا الجوهرية التي تواجه الدولة، مستندين في ذلك إلى آلة إعلامية ممولة من بنوك النظام القديم.

الوعي الجمعي للشعوب المكوّنة للدولة السودانية قد نضج، وهناك رغبة حقيقية في المشاركة في بناء نظام سياسي واقتصادي يلبي طموحاتهم في التمتع العادل بالموارد. وهذا لا يمكن تحقيقه دون تغيير جوهري في طريقة إدارة الدولة، وفي آليات الحكم والتنمية.

أكبر ورطة أُقحمت فيها دولة الاستقلال (56) بسبب الأنانية الطبقية المستحوذة على السلطة، كانت السعي المحموم نحو إشعال حرب خاطفة ضد قوات الدعم السريع، بهدف تحجيمها وقتل قياداتها التي وقفت مع الثورة. هذه المقامرة أدت إلى هدم الدولة كليًا. والآن، تتجرع الحكومة المتمركزة في بورتسودان مرارة هذه التجربة، وهي تمثل نموذجًا حيًا لدولة المليشيات المتناحرة على الغنائم. ويكفي أن نذكر “حردة الفلنقيات” الأخيرة من التوزير كمثال على هشاشة السلطة ومحدودية أفقها.

ومن المشاهد اللافتة أيضًا، ما دار في التايملاين السوداني في اليومين الماضيين من حملة سخرية شعبية واسعة ضد عملية “الترميز التضليلي”، بتعيين أحد رموز النظام البائد (الكوز كمرون) وزيرًا، وهو من شرية. الغرض من هذا التعيين لا يخفى على أحد: استغلال “الخزان البشري” في هذه المناطق للزج به في محرقة الحرب المقبلة.

ورغم هذه البلايا، فإنّ “العطايا تُستخرج من البلايا”. في ظل هذا الانهيار، يطرح الدعم السريع نموذجًا بديلًا، يُمكّن الشعوب من إدارة مواردها عبر إدارات مدنية محلية تعبّر عن أسلوب العيش الخاص بكل منطقة، وتؤسس لفيدرالية تعددية حقيقية، ودولة غير منحازة لأي نخبة مركزية أو طبقية.

المنجزات التي تحققت رغم الحرب والدمار، تسير على أرضية جديدة، وتفتح آفاقًا غير مسبوقة للتنمية والاستقرار. إنها فرصة تاريخية لتصحيح المسار، وبناء دولة سودانية جديدة، تُلبي طموحات جميع مكوّناتها، دون إقصاء أو استعلاء.

إرسال التعليق

لقد فاتك