الخرطوم تُطهِّر الخرطوم : مشروع عنصري يقودنا إلى حرب أهلية قادمة
ما يجري هذه الأيام في مناطق مثل السامراب والدروشاب والعزبة والخيرات، ليس مجرد تطبيق لإجراءات تنظيم عمراني أو حملة تخطيط عادية، بل يُعبّر عن نهج متسلسل من الاستهداف الطبقي والمناطقي، تمارسه سلطات ولاية الخرطوم ضد مواطنين يقيمون في أطراف المدينة منذ سنوات طويلة، دون أن تُوفر لهم الحد الأدنى من الاعتراف أو الحماية أو الخدمات.
بحسب مصادر مطلعة، تم تصنيف 27 حيًّا في أطراف العاصمة مؤخرًا باعتبارها “مناطق عشوائية” أو “أوكار جريمة”، تمهيدًا لإزالتها، رغم أن كثيرًا من هذه الأحياء مأهولٌ بأسر سودانية مستقرة منذ سنوات، تحمل وثائق حيازة، وتُسهم بعرقها في اقتصاد المدينة.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تُزال هذه الأحياء تحديدًا؟ ولماذا الآن؟ ولماذا دائمًا تبدأ الإزالات في المناطق التي تعاني أصلًا من ضعف الخدمات والتهميش الاجتماعي؟
حين تتحرك الجرافات تحت حماية أمنية مشددة، وتُهدم المنازل على مرأى من ساكنيها، دون إنذار كافٍ، ودون بدائل سكنية، فإننا لا نتحدث عن تطبيق القانون، بل عن انتهاك واضح لمبدأ العدالة الاجتماعية وحق المواطن في السكن الآمن.
وعندما يتم تصوير هذه العمليات في الإعلام الرسمي على أنها “تصحيح للأوضاع”، بينما الواقع هو طرد أسر فقيرة من مساكنها وتركها في العراء، فإن ذلك يؤسس لـ مظلومية اجتماعية قابلة للانفجار في أي لحظة.
ما حدث هو انهيار أمني شامل دفع ثمنه المدنيون في كل الأحياء، سواء كانوا في المركز أو في الأطراف.
وبدل أن تكون المرحلة الحالية لحظة إصلاح وإعادة بناء، نجد السلطات تنتهج سياسات تفكيك إضافي للنسيج الاجتماعي، ومعاقبة غير المُقنّنين بالفقر والتشريد، بدل دمجهم في المدينة وتوفير حقوقهم الأساسية.
تستهدف هذه السياسات في جوهرها الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع: نازحون، أرامل، عمال، شباب بلا شبكات دعم، وأُسر نجَت بالكاد من أهوال الحرب.
وإن استمرار هذه السياسة لا يعني فقط تعميق الأزمة الاجتماعية، بل أيضًا خلق بيئة جاهزة للانفجار، إذ لا يمكن أن يشعر مواطن بالانتماء لوطن يطرده من بيته ويمنعه من الماء والكهرباء، ثم يتهمه بـ”العشوائية”.
إن ما يحدث في أطراف الخرطوم اليوم هو اختبار حقيقي لمفهوم العدالة الانتقالية والتصالح الوطني. فإن لم يُعالج وضع السكن العشوائي بسياسات دمج واعتراف وتخطيط تشاركي، فإننا نخشى أن يتحول الظلم إلى وقود لتمرد اجتماعي لا يخدم أحدًا.
ولأهالينا في الأطراف: بيتكم ليس عشوائيًا، بل وطن صغير بُني من العرق والكرامة.فلنتحد، لا على أساس العرق أو الجهة أو الانتماء، بل على أساس الحق المشترك في العيش الكريم. لنتحدث، نكتب، نرفع الصوت ونطالب بالحلول. لأن الصمت أمام الظلم، هو شراكة في الجريمة.
إرسال التعليق