تفكير خارج الصندوق في العلاقة مع مصر
بقلم : رشا عوض
تفكير خارج الصندوق في العلاقة مع مصر
- ان بقاء الجيش السوداني واستمرار سيطرته المطلقة على القرار السياسي وعلى الموارد الاقتصادية السودانية بالنسبة لمصر هو استثمار تفوق ارباحه عائدات قناة السويس واشياء اخرى!
- مصر هي المالك الحقيقي لهذا الجيش وقد نازعتها فيه ايران حينا من الدهر عبر سيطرة الاسلامويين ولكن مصر استطاعت احتواء سيطرة الاسلاميين وما زال نفوذها في الجيش موازيا لنفوذهم او متزاوجا معه، والان بعد ان اصبح مستقبل النظام الايراني في كف عفريت بعد الحرب التي شنتها اسرائييل على ايران في سياق سلسلة ردودها على عملية “طووفان الاقصى” في السابع من اكتوبر ٢٠٢٣، وتبعا لذلك اصبح مستقبل الحركة الاسلامية السودانية المسنودة بايران في الانفراد بالجيش ايضا في كف عفريت ، ربما تظن مصر ان الجيش سيعود خالصا لها مجددا، فما العمل؟
- يجب التفكير في معادلة كسبية للعلاقة بين السودان ومصر، بمعنى تصميم بديل للعلاقة الاقتصادية بين البلدين تعود ارباحه عليهما بصورة عادلة ، وبلورة رؤية سودانية لادارة ملف مياه النيل تأخذ بعين الاعتبار عدم الاضرار بالامن المائي لمصر وفي ذات الوقت عدم اجبار السودان على التماهي التام مع مصر في هذا الملف وتغييب المصلحة السودانية تماما وكأنما السودان لا وجود له ، موقف السودان من سد النهضة مثلا لا يجب ان يكون مستنسخا من الموقف المصري ولا حتى الموقف الاثيوبي، بل يجب بلورة موقف سوداني على اساس الاستفادة من مزايا السد وكيفية تفادي اي مخاطر او اضرار مترتبة عليه عبر التمسك باتفاقيات قانونية ملزمة في ادارة عمليات ملء وتشغيل السد ، وبما ان السودان اغنى من مصر مائيا فيجب ان يكون متعاونا اقصى درجات التعاون مع مصر في مجال المياه وذلك في سياق التعاون بين دول حوض النيل.
- لا نستطيع عمليا ان نرحل بهذا السودان الى منطقة اخرى في الكرة الارضية بعيدا من مصر كما يقول بعض اليائسين من امكانية ان تكف مصر عن الاضرار بالسودان ، وفي ذات الوقت لا نستطيع ان نقبل بسيطرة جيش تملكه دولة مجاورة على مصيرنا السياسي ومواردنا الاقتصادية، هذا عيب( وما يصحش) وحرام ولا يجوز شرعا ولا عرفا ولا قانونا ولا انسانية.
لذلك يجب ان يتضمن اي مشروع وطني سوداني ديمقراطي معادلة جادة جدا لاقناع مصر بامرين:
الاول: السودانيون عازمون على التحرر والاستقلال وسبيلهم الوحيد لذلك هو تأسيس جيش وطني مهني سوداني ليحل محل الجيش السوداني اسما المصري جوهرا وفعلا المهيمن على البلاد منذ استقلالها المنقوص عام ١٩٥٦، وحسنا ان الرؤية السياسية التي تبناها تحالف صمود لانهاء الحرب وتأسيس الدولة المدنية تضمنت ” تأسيس المنظومة الامنية والعسكرية على اسس جديدة”
الثاني: السودان الحر المستقل الديمقراطي من باب الحرص على مصالحه العادلة لن يستهدف مصر باي عداء او ضرر ، بل بالعكس يمكن ان يكون السودان شريكا اقتصاديا وتنمويا لمصر في اطار معادلة محترمة لتبادل المنافع بعيدا عن الاستغلال والفوضى المحمية بالانظمة العسكرية المتعاقبة . - لكي تقتنع مصر بهذين الامرين يجب ان تكون الحركة السياسية في السودان موحدة حولهما وغير مستعدة لاي مساومة او تنازلات ، والرأي العام السوداني اصلا متقدم على نخبته السياسية في هذه القضية بالذات ” ملف العلاقات السودانية المصرية”، فالسودانيون يشهدون بام اعينهم صادرات السودان الزراعية والحيوانية الضخمة الى مصر التي لا تعود علينا بدولار واحد لانها ببساطة يتم شراؤها بالعملة السودانية وليس العملة الصعبة! والاخطر ان هناك انباء متواترة ( تحتاج الى تقصي وتحقق) عن وجود مطابع للعملة السودانية في مصر تطبع عملتنا لشراء صادراتنا بما فيها الذهب الذي تضاعفت الكميات المهربة منه اثناء هذه الحرب! وفي ذاكرة السودانيين حلفا القديمة التي اغرقت بكنوزها الاثرية واقتلع سكانها لصالح السد العالي مقابل ثمن بخس!
- يجب ان يعكف مختصون سودانيون على تصميم معادلة تقول للدولة المصرية بلغة الارقام والبيانات الكمية والوصفية ان بالامكان ان تستفيد مصر من السودان بشروط موضوعية وعادلة، وستكون مصالحها في هذه الحالة مستقرة ومستدامة واكثر جدوى من ( شغل الثلاث ورقات) الدائر حاليا والذي يخدم شبكات الفساد والبلطجة في البلدين اكثر بما لا يقاس من خدمة الشعبين والدولتين، ولكن قبل ذلك لا بد ان تكون لدينا حركة سياسية متحررة من الاستلاب المصري وقادرة فعلا ان تجعل” شغل الثلاث ورقات” الذي ظل محميا بالانظمة العسكرية المتعاقبة جزء من الماضي.
- العلاقة مع مصر هي اخطر واعقد علاقة في ملف علاقات السودان الخارجية ويجب ادارتها بجدية، وتصحيح هذه العلاقة يبدأ من الداخل السوداني ولا سيما في جبهة القوى المدنية الديمقراطية التي يجب ان تكون محصنة من الاختراق المصري ويجب ان يكون صوتها الاعلامي وخطابها السياسي واضحا جليا في تبني رؤية عنوانها ” اعادة تأسيس الجيش واستبعاد الحكم العسكري هو طريق الاستقلال الثاني للسودان” ، وان من اراد كسب صداقة السودانيين يجب ان لا يعرقل استقلالهم، وان السودان المستقل الديمقراطي لديه الرغبة والقدرة على بناء معادلات كسبية لجواره الاقليمي ، ويجب ان يمتلك الديمقراطيون السودانيون المعرفة العلمية والفنية لصياغة مشاريع استراتيجية متوافق عليها تترجم تلك المعادلات الكسبية وتبشر بها محليا واقليميا ودوليا. ليس فقط مع مصر بل مع كل الدول العربية والافريقية المجاورة.
- اهم ما يجب ان تحرص عليه القوى المدنية الديمقراطية في ملف العلاقات الخارجية هو تقوية تحالفاتها مع الغرب برؤية وطنية وهذا الامر ايضا يحتاج الى توظيف لكل ماهو متاح من خبرات في الدبلوماسية وفي العلاقات الدولية وتقاطعاتها التنموية والاقتصادية والامنية والعسكرية.
- من اخطر المؤامرات الكبيرة والمغرضة على الرأي العام السوداني تلك التعبئة الغوغائية ضد انفتاح السودان على الغرب سواء تحت شعارات الرومانسيات اليسارية في الستينات او الشعارات الاسلاموية بعد هيمنة نظام الانقاذ ، واذرع الدعاية المصرية هي الاعلى صوتا في التعبئة ضد علاقات السودان بامريكا او الغرب رغم ان مصر هي ثاني دولة في تلقي الدعم الامريكي في الشرق الاوسط بعد اسسرائييل! وهذا الدعم تم استثناءه من قرارات ترامب الاخيرة بتجميد المعونة الامريكية! ورغم علاقاتها الوطيدة مع الدول الغربية!
*من مقتضيات الرشد السياسي التحرر التام من العقليات الشعاراتية في موضوع العلاقات الخارجية التي يجب ان يتم تأسيسها على المصلحة الوطنية ، وتشخيص هذه المصلحة يجب ان يكون بواسطة من يجمعون بين الالتزام الوطني والمعرفة العلمية والفنية بهذا المجال. - مؤخرا تداولت الانباء خبرا عن ان السلطات المصرية هددت سياسيين سودانيين مقيمين في اراضيها بعدم اعطائهم موافقة امنية لدخول مصر مجددا لو انهم شاركوا في فعالية سياسية في جنيف! هذا الخبر الذي مر مرور الكرام- ولا نعرف حتى الان كيف تعاملت معه القوى المدنية ممثلة في تحالف صمود – يؤكد المؤكد وهو عدم حدوث اي تغيير في النظرة المصرية الوصائية على السياسة السودانية، وهنا يأتي دور القوى الديمقراطية التي يجب ان تكون رسالتها بلسان الاقوال والافعال معا ان السودان بعد هذه الحرب لن يعود الى الوراء وان كل من يراهن على استتباعه عبر الجيش او عبر جزء من النخبة السياسية المدجنة سيخسر الرهان.
ولا شك ان في الاجيال السودانية الجديدة ” قيادات كامنة” لمستقبل واعد ومختلف رغم كآبة الحاضر وآلامه القاسية.
إرسال التعليق