إسماعيل هجانة : لحظة وعيٍ مؤسسي وإرادة وطنية لإحياء روح الهلال الأحمر السوداني - صوت الوحدة

إسماعيل هجانة : لحظة وعيٍ مؤسسي وإرادة وطنية لإحياء روح الهلال الأحمر السوداني

قراءة في الاجتماع مع رئيس الإدارة المدنية واللجنة الأمنية والإدارة المحلية – الفولة

في الوقت الذي تتقاذفه الحرب وتتشظى فيه مكونات المجتمع، وتضعف فيه جسور التعاون والتماسك، وتختلط الأصوات المتنافرة في فضاء الوطن الجريح، جاءت زيارة الفولة واجتماعاتها القاعدية لتقدّم رؤيةً مختلفة، وصورةً مفعمة بالأمل.
مشهد يبعث الثقة من جديد في أن هذا الوطن، مهما طال عليه الخراب، ينهض من تحت الركام وبين الدموع وآهات الأطفال والنساء وأنين الجرحى والمظلومين، حين تتوافر الإرادة والعقل والنية الصادقة.

اللقاء الذي جمع اللجنة العليا لإعادة تأسيس وتخطيط جمعية الهلال الأحمر السوداني مع رئيس الإدارة المدنية لولاية غرب كردفان عليان وقيادات اللجنة الأمنية والإدارة المحلية كان مساحة تفكّر وحوارٍ شفاف، وإعلانًا لوعيٍ جديدٍ بمسؤولية العمل الإنساني في السودان، واستعادةٍ لروح مؤسسةٍ وطنيةٍ أنهكتها السياسة، إلا أن جذوة رسالتها ما زالت مشتعلة في وجدان الناس، تنبع من المجتمع وتعود إليه.

كانت ملاحظات وتوصيات رئيس الإدارة المدنية واللجنة الأمنية إيجابيةً وجوهريةً ومهمةً في تطوير رسالة الجمعية وتأكيد انسجامها مع مبادئها الإنسانية، حيث توافق الجميع على أن الحيادية، والاستقلال، والإنسانية هي القاعدة التي يقوم عليها كل عملٍ مؤسسيٍ أصيل، وكل شراكةٍ وطنيةٍ تستمد معناها من الناس ولأجلهم.

١-الفولة… من رماد الحرب إلى بوابة الإصلاح

    الفولة، المدينة التي خبرت القصف ورائحة الرماد ودماء الأبرياء، وغرب كردفان التي احتضنت مئات الآلاف من النازحين واللاجئين الهاربين من جحيم الحرب والتمييز، تحوّلتا في ذلك اليوم إلى منصةٍ للوعي والبناء.
    اجتماع ممثلي الدولة والمجتمع والإنسانية في مكانٍ واحد حول هدفٍ واحد – إحياء الضمير الإنساني الوطني – كان فعلًا من أفعال المقاومة ضد اليأس، ورسالةً بأن السودان ما زال يحتضن أبناءً يصنعون الأمل ولا ينتظرونه.

    الفولة تجاوزت حدود الجغرافيا لتغدو رمزًا لميلادٍ مؤسسيٍ جديد تُستعاد فيه الثقة، ويُعاد فيه الاعتبار للإنسان، وتتجدّد فيه الشراكة بين المجتمع والحكومة لخدمة الناس، من الناس ولأجل الناس.

    ٢-وضوح الرؤية وصلابة الموقف

      اللقاء أفرز إرادةً متينةً عبّرت عنها المواقف لا الكلمات، أكدت أن الهلال الأحمر السوداني ضمير الشعوب السودانية، وأن حياده واستقلاله واجبٌ أخلاقيٌّ راسخ تحرسه القوانين وتصونه القيم الوطنية.
      الحديث عن بناء جمعيةٍ تقوم على العدالة، والشفافية، وتكافؤ الفرص كان تأكيدًا على أن التطوير لا يُقاس بالشعارات، وإنما بقدرة المؤسسة على ترجمة مبادئها إلى ممارسةٍ حقيقيةٍ على الأرض.

      الهلال الأحمر يستمد شرعيته من القاعدة المجتمعية، ويعتمد عليها في شراكةٍ تاريخية مع المؤسسات الرسمية المحلية والدولية، دون أن يتنازل عن جوهر قيمه ومبادئه، ليكون عضوًا فاعلًا في الحركة الدولية للصليب والهلال الأحمر، خاصة في ظل الكارثة الإنسانية التي تشهدها غرب كردفان والسودان كله.

      ٣-من الإصلاح المؤسسي إلى وعيٍ وطني جامع

        إعادة التأسيس تعني بناء الضمير قبل المكاتب، والإنسان قبل اللوائح.
        القوانين واللوائح والنظم وُضعت بروح المسؤولية التاريخية، وكُتبت في القلوب والعقول التي اجتمعت في الفولة، لتكون خريطة طريق نحو مستقبلٍ أكثر توازنًا وإنسانية.
        ذلك اللقاء أعاد تعريف العمل الإنساني في السودان، مؤكّدًا أن الهلال الأحمر كيانٌ ينتمي إلى نبض الشعوب السودانية، وأن المتطوع في الميدان هو السفير الحقيقي لضمير الأمة، ومحور الحركة الإنسانية محليًا وعالميًا.

        ٤-شراكة الدولة والمجتمع… الطريق نحو الثقة

          أجواء الفولة كانت مفعمةً بالتناغم بين اللجنة العليا وقيادات الإدارة المدنية والأمنية، تناغمٌ كشف عن نضجٍ إداريٍ ووطنيٍ متجدد، يدرك أن العمل الإنساني يزدهر حين تُفتح أمامه أبواب التعاون والتكامل.
          وحين تتوحد الدولة والمجتمع في هدفٍ إنسانيٍ واحد، يصبح الإنسان هو السياسة العليا للوطن، ويغدو التكامل لا التنازع هو السبيل لبناء الثقة وترسيخ العمل المؤسسي.

          ٥-خطوة نحو ميلاد مؤسسي يعيد الثقة في الضمير الإنساني السوداني

            اجتماع الفولة كان نقطة تحوّلٍ أساسية في مسار إصلاح الجمعية، إذ تجلّت فيه الرغبة الصادقة في بناء مؤسسةٍ وطنيةٍ جامعةٍ تتجاوز الانقسامات وتستعيد استقلالها، لتفتح صفحةً جديدة في التاريخ الإنساني للسودان، عنوانها:

            “الإنسان أولًا، والإنسانية فوق السياسة.”

            ٦-الفولة… البداية لا النهاية

              الفولة ليست نهاية طريقٍ، وإنما بداية مسارٍ وطنيٍ طويلٍ نحو وعيٍ جديدٍ بالمسؤولية والقيادة.
              اللقاء هناك أعاد ترتيب المفاهيم، وأثبت أن الإصلاح ممارسةٌ تُبنى بالصدق والإصرار والعمل، وأن القيادة الحقيقية تُقاس بقدرتها على خلق الأمل وسط الرماد، لا بعلوّ المناصب.

              في هذه اللحظة، أعادت اللجنة العليا للهلال الأحمر السوداني تعريف معنى العمل الإنساني، فصار الإصلاح جسرًا نحو مستقبلٍ أكثر عدلًا ووعيًا واستقلالًا.
              الفولة أكدت أن السودان، رغم الحرب، ما زال حيًا بروح أبنائه الذين ينهضون كل مرة من تحت الركام حاملين راية الإنسانية.
              الهلال الأحمر يمضي بخطى ثابتة نحو استعادة مكانته كأكبر مؤسسةٍ وطنيةٍ إنسانية، تُعلي قيمة الإنسان فوق كل انتماء، وتستمد شرعيتها من الميدان قبل المكاتب، ومن الناس قبل الساسة.
              اجتماع الفولة مع رئيس الإدارة المدنية واللجنة الأمنية والإدارة المحلية كان أكثر من لقاءٍ تشاوري؛ فقد مثّل منعطفًا تأسيسيًا في مسار إصلاح جمعية الهلال الأحمر السوداني، وأعاد التأكيد على أن العمل الإنساني يُبنى بالثقة والانتماء والمسؤولية.
              اللقاء وحّد الرؤى نحو بناء مؤسسةٍ إنسانيةٍ مستقلةٍ تُدار بعقلٍ مؤسسيٍ وضميرٍ وطنيٍّ، تعكس وجه السودان الحقيقي — سودان لا تطفئ الحرب إنسانيته، ولا تُضعف العواصف إرادته على النهوض من جديد.

              إرسال التعليق

              لقد فاتك