الهامش والانعتاق من ترسّبات المركز

من أولى المزالق التي وقعت فيها قيادة الهامش تمسّكها بالإدارة الأهلية، وهو تمسّك يُعد من أخطر الرواسب التاريخية التي أعاقت تطوّر المجتمعات المهمّشة، وأسهمت في تعميق تبعيتها للمركز. فالمركز لم يكن ليتمكّن من بسط نفوذه على الهامش لولا وجود الإدارة الأهلية، تمامًا كما فعل الاستعمار من قبل.

الإدارة الأهلية، بوصفها بنية طفيلية تقوم على هويات فرعية ضيقة، شكّلت أداة للاسترزاق الاقتصادي والسياسي. فهي تُستغَل وتُستَغل من قبل القوى الأقوى، وتُباع ولاءاتها بسهولة. أما مكمن الخطر الحقيقي فيها، فهو أنها تُضعف مفهوم المواطنة، وتُعزّز الولاءات الجزئية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، مما يؤدي إلى تفكك النسيج الوطني وتراجع قيم الانتماء المشترك.

لذلك، فإن التحرر من نفوذ الإدارة الأهلية وتفريغ سلطتها يُعد ضرورة وطنية، إذا أردنا تعزيز التماسك الاجتماعي، وبناء دولة حديثة تستند إلى مفهوم المواطنة لا الولاءات القبلية.

تاريخيًا، تلهمنا تجارب إقليمية ناجحة في هذا السياق. فعلى سبيل المثال، في تونس، قام الحبيب بورقيبة بإصلاحات جذرية هدفت إلى تقليص تأثير القبيلة، ما ساهم في بناء دولة حديثة ذات مؤسسات قوية وهوية وطنية متماسكة. وفي مصر، أسهمت القيادة السياسية في توسيع الوعي بالمفاهيم الوطنية، كما ساعد الصراع مع العدو الخارجي (إسرائيل) في تعزيز روح الانتماء والانصهار في “نحن” وطنية جامعة.

في المقابل، نجد نماذج فاشلة مثل التجربتين الليبية واليمنية. ففي ليبيا، صعدت ثورة الفاتح بقيادة القذافي على أكتاف القبيلة، فتعزز النفوذ القبلي على حساب سلطة الدولة، ما أدى إلى استمرار الانقسام الاجتماعي، والانخراط في صراعات قبلية أضعفت الوطن. وكذلك الحال في اليمن، حيث فشلت الدولة في تجاوز القبيلة، ما أدى إلى هشاشة في البنية الوطنية وتفكك اجتماعي واضح.

من هذه التجارب، يتّضح أن التعويل على الإدارة الأهلية والولاءات الضيقة لا يصنع دولة، بل يكرّس الانقسام. فالمطلوب هو بناء وعي وطني يعزز الهوية الجامعة، ويجعل من المواطنة أساسًا للانتماء، فذلك هو الطريق الوحيد نحو وطن سليم، متماسك، ومحصّن ضد أمراض التمييز، والتعصب، والاحتراب على مفاهيم وهمية.

تعليق واحد

comments user
🖊 + 1.126189 BTC.NEXT – https://yandex.com/poll/Ef2mNddcUzfYHaPDepm53G?hs=5f0e02c646f0406c93a6ad6431f6fdcb& 🖊

02ziae

إرسال التعليق