تحليل خطاب حميدتي الأخير: رسائل داخلية ، ثقة ميدانية و مؤشرات تصعيد خطير

في تسجيل مصوّر بثّه مؤخرًا، وجّه قائد قوات RSF، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خطابًا استثنائيًا يمكن اعتباره الأهم منذ اندلاع الحرب. جاء الخطاب محمّلًا برسائل سياسية وعسكرية عميقة، تعكس واقع الميدان وتعقيدات المرحلة المقبلة، مع تأكيد واضح على تصعيد مرتقب.

أوصد حميدتي الباب أمام العودة إلى منبر جدة، موضحًا أن هذا المسار لم يكن سوى وسيلة بيد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لترتيب أوضاعه العسكرية والمماطلة في الحل. بهذا التصريح، يعلن حميدتي انتهاء مرحلة الوساطات التقليدية، ويدخل في مربع الحسم العسكري.

لوّح حميدتي بشكل واضح بالهجوم على الولاية الشمالية ومدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان، ووجّه نداءً إلى سكان الشمالية بعدم مغادرة منازلهم عند وصول قواته، في إشارة إلى تقدّم ميداني وشيك. كما أشار إلى أن التعزيزات العسكرية التي دفع بها الجيش إلى كردفان تهدف لمنع تمدد المعارك شمالًا.

من أبرز ما ورد في الخطاب، تساؤله: كيف يمكن لمؤسسة مثل الجيش السوداني أن تقاتل بقيادة عبد الله جنا، وهو من وصفه بـ”المرتزق”؟ بذلك، يطعن حميدتي في الرواية التي يروّجها الجيش عن تاريخه القومي ومهنيّته، ويقدّم نفسه كخصم لا يواجه مؤسسة، بل تحالفًا هشًّا من القوى التقليدية والمرتزقة.

أعاد حميدتي التأكيد على استمرار الدعم العسكري المصري لحكومة بورتسودان، موضحًا أن الأسلحة تمر عبر الحدود عن طريق الشاحنات. كما اتّهم حكومة بورتسودان بتضليل أوكرانيا بادعاءات كاذبة حول مشاركة مجموعة فاغنر في الحرب إلى جانب قواته.

أشار إلى الضربات التي طالت بورتسودان، مؤكدًا أنها حيّدت الطائرات المصرية المقدّمة للجيش، دون أن يتبنّى صراحة مسؤولية قواته عنها. لكنه ترك انطباعًا بأن قواته باتت تملك زمام المبادرة حتى في شرق البلاد، ما يزيد من الضغط على الحكومة هناك.

حرص أيضًا على تقديم ما وصفه بـ”بروتوكول الحرب”، والذي يتضمن الحفاظ على ممتلكات المدنيين، وعدم قتل الأسرى، وتقديمهم لمحاكم ميدانية. كما وجّه رسائل طمأنة لسكان المناطق التي تقترب منها قواته، خصوصًا الشمالية والأبيض، وطلب منهم عدم النزوح.

كشف عن لقائه السابق بعلي كرتي، الذي كان متخفيًا وقتها في زي بائع لبن، يقود سيارة قديمة ويطيل شعره، هربًا من ملاحقة لجنة إزالة التمكين. هذه القصة جاءت لتعري حالة التخبط والتخفي التي كانت تعيشها قيادات النظام البائد.

اختتم خطابه بتقديم قواته ككيان وطني يمثّل جميع القبائل، ويعتمد على الشباب، ويدار كمؤسسة تتعاقب عليها الأجيال، وليس مجرد ميليشيا مرتبطة بشخصه. وفي هذا الخطاب، بدا واضحًا أنه يحاول ترسيخ شرعية سياسية وعسكرية طويلة المدى لقواته.

هذا الخطاب لم يكن فقط إعلانًا لمرحلة جديدة من الحرب، بل جاء كتحذير مبكر لما يراه تحوّلًا استراتيجيًا لصالحه. انسداد الأفق السياسي، والتصعيد الميداني، واستمرار التدخلات الإقليمية، كلها إشارات إلى أن البلاد مقبلة على مزيد من الفوضى، مع احتمال توسّع نطاق الصراع إلى ولايات لم تطلها الحرب بعد. والأخطر من ذلك هو الإشارة الضمنية إلى استخدام محتمل لأسلحة محرّمة دوليًا من قبل الجيش، ما ينذر بتحوّل الصراع إلى مواجهة شاملة قد توصف مستقبلًا بـ”حرب إبادة”

إرسال التعليق