احمد السميح : تعطيل دور المرأة في المجتمع لا يصنع نهضة - صوت الوحدة

احمد السميح : تعطيل دور المرأة في المجتمع لا يصنع نهضة

في مجتمعات كردفان ودارفور تبرز إشكالية حقيقية تتعلق بدور المرأة في الحياة العامة. فعلى الرغم من حضورها التاريخي في العمل المجتمعي، ما يزال هذا الدور محدودًا مقارنة بما تملكه النساء من إمكانات علمية ومهنية تؤهلهن ليصبحن المحرّك الأساسي لنهضة المجتمع، خاصة في الظروف الراهنة التي تتطلب وعيًا وتنظيمًا أكثر من أي وقت مضى.

التجربة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية تقدّم درسًا مهمًا في هذا السياق؛ فبينما كان الرجال غارقين في ساحات القتال أو منشغلين بالأعمال الحربية، اضطلعت النساء بمهمة إعادة بناء المجتمع. ربّين الأجيال، عملن في المدارس، أسسن خدمات اجتماعية وصحية وإدارية، وساهمن في زيادة الإنتاج. هذه الجهود النسائية شكّلت الأساس لنهضة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وأرست ملامح أوروبا الحديثة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن المرأة السودانية لم تنتظر ظروفًا استثنائية لتنال حق التعليم والعمل، بل تمتلك اليوم ميزة واضحة. فهناك آلاف الخريجات في مجالات الطب والهندسة والقانون والإدارة والإعلام، إلى جانب المعلّمات والممرضات والصيدلانيات. ومع ذلك، لا يزال المجتمع يضع حدودًا تقليدية لدورهن، ويترك إمكاناتهن الكبيرة بلا استثمار حقيقي.

الاعتماد على الحكومة أو انتظار الحلول السحرية ليس خيارًا ممكنًا في المرحلة الحالية، فالمشهد السياسي والأمني المعقد يجعل أي إصلاح حكومي بطيئًا ومحدود الأثر. ومن هنا، يبرز الدور الشعبي، الذي لا يمكن أن ينجح دون حضور المرأة في الصفوف الأولى.

إن النساء إذا قُدن المبادرات التعليمية والصحية والاجتماعية، فهن قادرات على إحداث فارق ملموس، شريطة توافر الإرادة والعزيمة للخروج من دائرة خطاب المظلومية. ويكفي أن تبدأ المرأة بخطوات بسيطة أو مبادرات صغيرة، توثّق لها وتُنشر، لتتحول مع الوقت إلى حراك واسع يعيد رسم صورة المجتمع، ويدخل التاريخ من أوسع أبوابه.

إن التاريخ لا ينتظر أحدًا. فإذا لم تنهض نساء كردفان ودارفور اليوم بدورهن الفاعل، فإن أجيالًا كاملة ستظل أسيرة الواقع الحالي. أما إذا تحركن، فإنهن لن يغيرن فقط واقع مجتمعاتهن، بل سيكتبن أسماءهن في سجل نهضة البلاد بأحرف من نور.

إرسال التعليق

لقد فاتك