خبراء: نفوذ الإسلاميين داخل الجيش يعطّل هدنة السودان ويكرّس عقلية الهروب إلى الأمام
مصدر ارم نيوز
في ظل تصاعد الجدل حول مستقبل العملية السياسية في السودان، يرى عدد من الخبراء أن رفض الحكومة السودانية المدعومة من المؤسسة العسكرية لمقترح الهدنة الذي تقدمت به الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، يعكس تمسكاً واضحاً بخيار الحرب كمسار استراتيجي، رغم ما خلفته العمليات العسكرية من دمار واسع النطاق وخسائر بشرية واقتصادية فادحة. ويؤكد هؤلاء أن هذا الرفض لا ينفصل عن النفوذ المتزايد للقوى الإسلامية داخل البنية العسكرية، والتي تعتبر أن أي وقف لإطلاق النار من شأنه أن يهدد مصالحها السياسية والاقتصادية، ويقوض مشروعها القائم على الفوضى المسلحة. كما يشيرون إلى أن العقوبات الدولية المفروضة على قيادات السلطة في بورتسودان، والخشية من المحاسبة، دفعتهم إلى تبني عقلية “المضي حتى النهاية”، حيث يُنظر إلى أي تسوية سلمية في هذه المرحلة على أنها اعتراف بالهزيمة وانهيار للنفوذ، ما يجعل الهدنة بالنسبة لهم أكثر خطورة من استمرار الحرب نفسها.
تباين المواقف
المحلل السياسي عمار سعيد أوضح أن سلطة التأسيس في المناطق المحررة أبدت ترحيباً بمقترح الهدنة الذي قدمته اللجنة الرباعية، والذي يهدف إلى وقف شامل لإطلاق النار، وتوفير ممرات إنسانية، وتهيئة مناخ سياسي يقود إلى انتقال مدني خلال فترة زمنية محددة. في المقابل، جاءت ردة فعل سلطة بورتسودان بالرفض، متمسكة بخيار الحرب رغم ما خلفته من دمار واسع وخسائر بشرية واقتصادية متزايدة. وأضاف سعيد، في تصريح لـ”إرم نيوز”، أن دوافع هذا الرفض ترتبط بواقع أن القرارات الحاسمة تُدار من قبل قادة التنظيم الإسلامي، وعلى رأسهم شخصيات مثل علي كرتي وأحمد هارون، الذين يرون أن وقف الحرب يهدد نفوذهم ومصالحهم المبنية على استمرار الفوضى العسكرية. وأشار إلى أن القوى الإسلامية المرتبطة بالجيش دفعت مليارات الدولارات في هذه الحرب، عبر قروض وتحالفات عسكرية مع أطراف إقليمية ودولية، وهي تعتبر أن أي تسوية سلمية في الوقت الراهن تعني ضياع تلك الاستثمارات وتلاشي نفوذها السياسي. كما أوضح أن المعركة استنزفت أعداداً كبيرة من عناصر الكتائب الإسلامية والجهادية، ما جعل قادتهم يعتبرون أن التراجع أو القبول بالهدنة يمثل اعترافاً بالهزيمة ومقدمة لانهيار مشروعهم السياسي، ومن هنا تنبع عقلية “الاندفاع حتى النهاية”، ولو تطلب الأمر اللجوء إلى أسلحة محرّمة دولياً. وأكد أن العقوبات الدولية المفروضة على قيادات السلطة في بورتسودان دفعتهم للشعور بأنهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في الحرب لتحقيق نصر يفرض وقائع جديدة، أو مواجهة السقوط والمحاسبة. ومن هذا المنطلق، يأتي رفضهم المتكرر لكل المبادرات الدولية، من جدة إلى المنامة ثم سويسرا، وأخيراً مبادرة الرباعية. واختتم سعيد حديثه بدعوة المجتمع الدولي إلى التمييز بين سلطة تعرقل السلام وتتمسك بالفوضى، وأخرى تبدي استعداداً حقيقياً للانخراط في مسار سياسي يوقف نزيف الدم ويعيد الأمل للسودانيين.
عودة الإسلاميين
من جانبه، قال عضو مجلس السيادة السوداني السابق، والقيادي في تحالف “صمود”، محمد الفكي سليمان، في تصريح لـ”إرم نيوز”، إن القوى الإسلامية هي من بادرت بإشعال هذه الحرب بهدف العودة إلى السلطة والقضاء على الحركة الديمقراطية ومطالب الثورة. وأشار إلى أن المخطط كان يستند إلى تنفيذ حرب خاطفة، لكن حين فشلوا في تحقيق أهدافهم، أصبح واضحاً أن الحرب لن تتوقف لأنهم لم يبلغوا ما سعوا إليه بعد. واعتبر أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إذا قرر المضي في خطة سلام، سيجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين الذين يرفضون أي تسوية لا تضمن لهم استعادة نفوذهم السياسي.
نفوذ الجيش
الكاتب والمحلل السياسي الطيب الزين رأى أن رفض الجيش السوداني لدعوة المجموعة الرباعية يعكس بوضوح أن المؤسسة العسكرية لا تزال واقعة تحت تأثير فلول النظام السابق، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان المسلمين المعروف محلياً بـ”الكيزان”، الذين يسعون لإجهاض أي مسار يؤدي إلى بناء دولة مدنية. وقال الزين في حديثه لـ”إرم نيوز” إن تعطيل جهود الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، يكشف عن وجود أطراف داخل الجيش ترى في استمرار الحرب وسيلة للحفاظ على نفوذها، ولو كان ذلك على حساب دماء السودانيين ومعاناتهم اليومية. وأوضح أن هذا الموقف لا يُمثّل تطلعات الشعب السوداني الذي خرج في ثورته مطالباً بـ”الحرية والعدالة والسلام”، بل يعكس إرادة أقلية متشبثة بالسلطة، ترفض الاعتراف بفشل مشروعها وتخشى المحاسبة. وأكد أن عرقلة التسوية السياسية ليست مجرد مناورة تكتيكية، بل هي امتداد لمحاولات اختطاف الدولة ومنعها من التعبير عن إرادة شعبها في حياة حرة كريمة. وختم الزين بالقول إن فضح هذه المواقف وتسمية المسؤولين عنها بوضوح هو واجب وطني، مضيفاً أن بناء السودان الجديد يبدأ بكسر قبضة الإخوان على مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش، وإعادة توجيه البوصلة نحو دولة مدنية تحترم الإنسان وتخدمه.
إرسال التعليق