عزيز الدودو : عقوبات واشنطن على جبريل إبراهيم: خطوة ضرورية أم ورقة في لعبة أكبر؟
في خطوة لم تكن مفاجئة، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على الدكتور جبريل إبراهيم، وزير المالية في حكومة بورسودان، وقائد حركة العدل والمساواة. هذه العقوبات لم تأت من فراغ، بل استندت إلى سجلٍ حافلٍ من الاتهامات التي تتراوح بين تقويض استقرار السودان وتمويل العنف، فضلاً عن تحالفات مريبة مع دول توصف من قبل واشنطن بأنها داعمة للإرهاب.
مسار جبريل إبراهيم يمثل قصة تحول دراماتيكي مثير للتساؤل. فقد وصل إلى السلطة في الخرطوم على أكتاف ثورة ديسمبر المجيدة التي نادت بالحرية والسلام والعدالة، لكنه سرعان ما انحاز إلى الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، ضامناً بقاءه في منصبه الوزاري. هذا التحول من “متمرد” إلى شريك للمؤسسة العسكرية الانقلابية يكشف عن ازدواجية خطيرة وانتهازية سياسية، حيث ضحى بالمبادئ التي ادعى تمثيلها في سبيل البقاء في دائرة السلطة.
ولم تتوقف قضية جبريل إبراهيم عند خيانة الثورة فحسب، بل تمتد إلى شبكة تحالفات إقليمية مثيرة للقلق. فزياراته المثيرة للجدل إلى طهران، والتقارير عن مفاوضات سلاح مع إيران وباكستان، ترسم صورة لسياسات خارجية تعمل على تأجيج الصراع الداخلي وتهديد الأمن الإقليمي في وقت لا يحتمل المزيد من التوتر. لقد حوّل الرجل وزارة المالية – وفقاً للاتهامات الأمريكية – إلى أداة لتمويل صراعاته وتحالفاتها الأيديولوجية، متورطاً في فضائح فساد كبيع المساعدات الإنسانية وإعادة إحياء شركات وروابط نظام النظام البائد.
ولم يكن جبريل وحده في قائمة العقوبات، بل شملت أيضاً “كتيبة البراء بن مالك” التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، وهي ميليشيا متطرفة ارتكبت فظائع مروعة بحق المدنيين، من إعدامات ميدانية وذبح على الهوية، بل ووصلت وحشيتها إلى انتهاك حرمة أجساد النساء الحوامل وبقر بطونهن في مشهد موغل في الوحشية والتطرف. هذه الجرائم لم تكن لترى النور دون دعم ومباركة من قيادة القوات المسلحة التي يسيطر عليها الإسلاميون، والذين يشكلون العقبة الكأداء أمام أي أمل للسلام أو التحول الديمقراطي.
ورغم أن هذه العقوبات تمثل خطوة ضرورية لكشف ومحاسبة الفاعلين في إطالة أمد الحرب وتدمير السودان، إلا أنها تفتح الباب لتساؤلات إستراتيجية أكبر.. هل تهدف هذه العقوبات حقاً إلى إحقاق السلام، أم أنها جزء من لعبة سياسية أكبر؟
يبدو أن العقوبات، وإن حاصرت نفوذ الإسلاميين ومن بينهم جبريل، فإنها قد تصب – عن غير قصد ربما – في مصلحة مخططات البرهان، الذي يسعى هو الآخر إلى إضعاف شركائه السابقين في “القوات المشتركة” وتقليص نفوذهم، حتى لو كان الثمن هو إلغاء اتفاقية جوبا للسلام بأكملها.
النتيجة هي أن البرهان نفسه أصبح محاصراً. فالعقوبات تحد من خياراته وتدفعه نحو مواجهة مباشرة مع حلفائه السابقين من الإسلاميين، وذلك في وقت تضع فيه اللجنة الرباعية الدولية خارطة طريق واضحة تشترط إبعاد كل رموز الإسلام السياسي عن أي تسوية سياسية قادمة. الخيار الآن أمام البرهان واضح: إما الانصياع لإرادة المجتمع الدولي ومسار السلام، أو مواصلة الحرب وتدمير البلاد استجابة لرغبة حلفائه الإسلاميين، معرّضاً نفسه وعصابته العسكرية لعقوبات أشد.
إنقاذ السودان يبدأ بتجريد لوردات الحرب من الأدوات والسلطة والنفوذ الاقتصادي الذي حوّلوه إلى وقود للحرب، والمشروعية السياسة التي حوّلوها إلى آلية للنهب والفساد وتدمير البلاد.
إرسال التعليق