عثمان دهب : عودة مثقلة بالغُصَص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
سنعود يا أُمنية، إلى الوطن ولو محمَّلين بالغُصَص التي أكلت قلوبنا حتى اختنقت.
سنعود، وفي عيوننا دموع غريبة؛ نصفها حزن ممزوج بوجع الغياب، ونصفها فرحٌ خجول بلقاء الأرض من جديد.
سنعود لنرتاح من عناء التشرّد، ومن الهرب في الطرقات الموحشة التي ابتلعت خطواتنا، ومن الليالي الباردة التي ضمّت وحدتنا.
سنعود، ولو اضطررنا أن نمشي تحت مطر النار، ولو أعادت القنابل إحراق وجوهنا، ولو فتحت الجراح القديمة أفواهها من جديد.
سنعود حاملين حقائبنا الثقيلة، لا ملابس فيها ولا هدايا، بل محشوة بالخوف والخذلان، بالقهر والبرد، برائحة البارود وصور الأحبة الذين رحلوا دون وداع.
سنعود ونتسكّع في تلك الأزقة التي كانت ذات يوم تغنّي بالضحكات، فتحوّلت إلى ساحات للقتل والنهب.
سنعود لنلملم بقايا الورود المحترقة على جدران الحدائق، نشمّ رمادها كما لو كان عطراً مقدّساً.
سنعود ونقف على عتبات المنازل المهجورة، نقبّل جدرانها ونوافذها كالأطفال التائهين الباحثين عن حضنٍ ضائع.
نبكي كما يبكي الأيتام على أبواب الفقد،
ونضحك ضحكاً مكسوراً كالسكارى الذين لا يعرفون إن كانوا عادوا فرحين أم عائدين إلى موتٍ مؤجَّل.
ثم نحمد الرب كما رجال الدين حين يدركون أن الصبر أطول من العمر.
سنعود ونجلس على ضفاف النيل،
نغمس أقدامنا في مائه كأننا نغتسل من كل خطايانا،
نحدّثه عن غربتنا الطويلة، وعن مدنٍ لم تحتملنا، وعن وطنٍ لم يغادرنا لحظة واحدة.
سنعود يا أُمنية، حتى لو عدنا مكسورين،
حتى لو كان الوطن نفسه جريحاً مثلنا،
سنعود، لأنه ما من غربة تسع قلوبنا غير حضنه


إرسال التعليق