عمار سعيد يكتب : خطاب الاستقلال الجديد: استعادة الوطن على لسان محمد حسن التعايشي
في خطابه الأخير، قدّم رئيس وزراء حكومة السلام والوحدة، الأستاذ محمد حسن التعايشي، ما يمكن اعتباره إعلانًا جديدًا لاستقلال السودان، ليس من قوة أجنبية هذه المرة، بل من قيود الظلم والإقصاء والتهميش التي كبّلت البلاد لعقود طويلة. الخطاب، الذي وُصف بأنه “خطاب استعادة الوطن المختطف”، لم يكن مجرد كلمات عاطفية، بل جاء محمّلًا ببرنامج تأسيسي يضع الأمن والكرامة والعدالة في قلب أولويات المرحلة.
روح الانتماء ووحدة المصير
افتتح التعايشي خطابه بالتأكيد على أن “الشعور بالانتماء للوطن موجود في كل السودانيين”، في إشارة واضحة إلى أن السودان لا يمكن أن يقوم على الإقصاء أو الهيمنة، بل على أساس وحدة وطنية جامعة تتجاوز الانتماءات الحزبية والقبلية والجهوية. هذا التصور يضعه في مواجهة مباشرة مع إرث طويل من التشرذم السياسي الذي أنهك البلاد.
طريق جديد لبناء سودان جامع
في مقطع لافت من الخطاب قال التعايشي: “اخترنا طريقًا جديدًا لبناء سودان موثّق، حكومتنا لكل السودانيين وليس حكومة فئة أو حزب”. هنا تتبدى ملامح رؤية تتخطى منطق الغلبة والهيمنة، لتطرح مشروع حكم يرتكز على الشرعية الشعبية والعدالة الشاملة، وهو ما يمنح الخطاب طابعًا تأسيسيًا يوازي لحظة تاريخية شبيهة بلحظة إعلان الاستقلال الأول.
الأمن وكرامة المواطن: الأولوية القصوى
خلال كلمته بمدينة نيالا، شدّد رئيس الوزراء على أن تعزيز الأمن وصون كرامة المواطنين هما أولوية مطلقة لحكومته. فالخطاب لم يكتفِ بالحديث عن مفاهيم مجردة، بل ربطها ببرامج عملية تهدف إلى استعادة الاستقرار الميداني، باعتباره المدخل الأساسي لأي مشروع وطني حقيقي.
برنامج المرحلة الأولى: قضايا التأسيس
أوضح التعايشي أن برنامج “حكومة السلام والوحدة” يركز في مرحلته الأولى على القضايا ذات “الأهمية القصوى”، وعلى رأسها إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، وضمان الحقوق الأساسية، وإرساء دعائم حكم يقوم على التوافق الوطني لا الإقصاء. وبذلك يضع الرجل اللبنات الأولى لمشروع سياسي جديد يحاول أن يستعيد الدولة من فشلها المزمن.
دلالات الخطاب: استقلال من نوع آخر
خطاب التعايشي جاء في ظرف سياسي استثنائي، إذ تتواجد في السودان حكومتان متوازيتان، إحداهما معترف بها دوليًا، والأخرى مدعومة من قوى مسيطرة على الأرض. لكن بعيدًا عن الجدل السياسي، حمل الخطاب دلالات عميقة:
• استقلال رمزي جديد من ممارسات الاستبداد والإقصاء.
• محاولة إعادة تعريف الوطنية السودانية بوصفها مشروعًا جامعًا لا يقصي أحدًا.
• تدشين مرحلة تأسيسية تضع الأمن والكرامة كأساس للشرعية السياسية.
بين الرمزية والواقع
يمكن النظر إلى خطاب محمد حسن التعايشي باعتباره لحظة فارقة في التاريخ السوداني الحديث. فهو خطاب أراد له صاحبه أن يكون بمثابة “إعلان استقلال ثانٍ”، يستعيد به الوطن المختطف ويعيد للسودانيين الأمل في سودان جديد. لكن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه الكلمات إلى واقع ملموس، في بلد أنهكته الحروب والانقسامات، ولا يزال يبحث عن صيغة حكم تعكس أشواق أبنائه وتطلعاتهم في الحرية والسلام والعدالة.



إرسال التعليق