عزيز الدودو : صراع المركز والهامش في السودان
كشفت الحربُ الأخيرة في السودان عن حقيقةٍ مؤلمةٍ طالما تم تداولها همساً، فأصبحت الآن جهراً. لقد أزاحت الغطاء عن نوايا كثير من المثقفين والإعلاميين المنتمين لما يُعرف بـ”الوسط النيلي”، والذين تبيَّن أن هاجسهم الأول والأخير هو الحفاظ على هيمنتهم وسيطرتهم على مقدرات البلاد، بغض النظر عن الانتماء الأيديولوجي أو الحزبي. فالمعضلة ليست في الشيوعي أو البعثي أو الإسلامي أو غيره، بل المعضلة في إصرار هذه النخبة على أن تظل مقاليد السلطة والتحكم حكراً عليها وحدها.
لقد اتضح، وبوضوح مؤلم، أن العديد من هذه الأصوات تفتقر إلى الوعي الأخلاقي الجمعي. فهي، في جذورها التاريخية، امتداد لتلك العقلية التي أسسها تجار النخاسة وأمراء الحروب، والذين كانوا ينظرون إلى أبناء الأطراف والهامش على أنهم أدنى درجة، مجرد “عبيد” لا حق لهم في الأرض أو الكرامة، وكانت تُباع حياتهم وكرامتهم في الأسواق كما تباع الماشية.
ويا للمفارقة التاريخية القاسية، فها هي النظرة المتعالية ذاتها تعود اليوم بثوب جديد، تُمارس بنفس الاستعلاء القديم، لكن بآليات حديثة. трагичность الموقف تكمن في أن “البازنقر” – أو المواطن العادي – غالباً ما يعجز عن إدراك هذه المعادلة، لأنه هو نفسه ضحية لتلك الهيمنة الفكرية والثقافية التي سلبت منه عقله وأرهقت إرادته.
في المقابل، يبرز الحق التاريخي والجغرافي الثابت لأبناء الهامش. فهم السكان الأصليون لهذه الأرض، وهم الأحق بقيادة السودان وإدارة شؤونه، ليس من منطلق عنصري مضاد، بل من منطلق العدالة والمساواة واسترداد الحقوق المسلوبة. يجب أن يكونوا أسياد هذا البلد بكل عزة وفخر، ليس بمعنى الهيمنة والإقصاء، بل بمعنى القيادة والتمثيل العادل الذي يليق بتاريخهم وتضحياتهم الجسام.
اليوم، يُشَكل السودان الجديد نفسه من رحم المعاناة وبفضل دماء وتضحيات أبطاله الأشاوس في مختلف أرجاء الوطن. المعركة مستمرة، وستظل مستمرة، حتى يتحرر السودان تماماً من هيمنة ورثة الاستعمار، ووكلائه المحليين، وأولئك العملاء الأوغاد الذين يبيعون الوطن في سوق النخاسة الحديثة مقابل منصب أو مكسب شخصي.
إرسال التعليق