التجربة والاستنتاج من واقع الحركات المسلحة والأحزاب السياسية
التجربة هي إحدى ركائز البحث العلمي، إلى جانب القياس والتحليل، وهي تمثل الأساس الصلب للمنطق المادي الاستقرائي. فمن خلالها يمكن الوصول إلى نتائج موضوعية تعتمد على الاستدلال العقلاني.
وعند دراسة تجربة الحركات المسلحة واستخلاص نتائجها، نجد أنها واحدة من أكثر الظواهر التي تستحق التمحيص العميق. فقد بدأ أفرادها بالبكاء والتألم في بداية الطريق، ثم ألفوا الواقع وتكيّفوا معه، حتى اختُزلت مأساتهم بين احتجاجاتهم الأولى واستسلامهم النهائي لجلادهم. وبهذا التحول، فقدوا احترام الجميع، وأصبحوا طائعين خانعين، مما جعل نهايتهم حتمية، ليس فقط كحركات ارتزاق، بل ككيانات كان لها تأثير سلبي على قبائلهم، لا سيما قبيلة الزغاوة، التي ستتحمل وزر أفعالهم.
وعلى الضفة الأخرى، فإن تجربة تقدُّم أيضًا تتطلب التفاعل مع العقلانية، إذ إنها اليوم ليست سوى نسخة مكررة من تقدُّم الأمس، تمامًا كما كانت في عام 1956 منذ بداية الأحزاب التقليدية. فنفس الأحزاب، ونفس العقليات التي لا تتعلم من التجربة، ولا تتفاعل مع المتغيرات السياسية المتعارضة معها، لا تزال حاضرة. ولذلك، ليس غريبًا أن نشهد انقسامات داخلية في تقدُّم، شبيهة بما حدث داخل التيار الإسلامي، حيث أدت الخلافات إلى تصاعد الخطاب العنصري والعنصرية المضادة.
لذا، لا تهتموا بـتقدُّم، وأخبروهم – وأهم من يظن يومًا أن للثعلب دينًا – أن الرسالة أبلغ من الوصف.
وليس هناك عبارة أبلغ في وصف ما حدث لـتقدُّم، والإسلاميين، والأحزاب السياسية، والمثقفين، والسياسيين السودانيين، سوى: “العرق أقوى من الدين”. قد تبدو هذه العبارة عادية، لكنها في الحقيقة كفيلة بتفكيك عدد هائل من الأيديولوجيات السياسية، وتقسيم الأحزاب، بل وحتى تهديد وحدة الدولة ذاتها.
وبدلًا من أن يدعو البعض إلى حوار سوداني–سوداني، أو الحديث عن حل جذور الأزمة السودانية، فإن المطلوب هو الاعتراف بالحقيقة، والاستفادة من التجربة، وفك كل الارتباطات التي تعيق التغيير، وكسر قيود الاحتكار. وإلا، فإننا على موعد مع واقع جديد، لكنه لن يكون إلا مقدمة لأزمات جديدة، أشد تعقيدًا وأبعد أثرًا
إرسال التعليق