عزيز الدودو يكتب : الجيش السوداني: إرث استعماري يعيق بناء الدولة الوطنية - صوت الوحدة

عزيز الدودو يكتب : الجيش السوداني: إرث استعماري يعيق بناء الدولة الوطنية

منذ لحظة تشكيله، لم يكن الجيش السوداني مؤسسة وطنية بقدر ما كان امتداداً لمنطق القوة الاستعمارية التي حكمت السودان. فقد بُني هذا الجيش على أسس تخدم الحكم المركزي والقمع، وليس الدفاع عن سيادة الشعب أو حماية حدوده. لقد كان أداةً طيعةً في يد المستعمر أولاً، ثم تحول إلى أداة قمع في يد النخب الحاكمة بعد الاستقلال، مما جعله عائقاً رئيسياً أمام أي مشروع وطني ديمقراطي.

لطالما استخدم الجيش السوداني قوته لفرض هيمنة الأنظمة المتعاقبة، بدلاً من أن يكون درعاً لحماية المواطنين. ففي كل مرحلة تاريخية، كان دوره يتمحور حول إخماد الأصوات المطالبة بالتغيير، وحماية مصالح النخب الحاكمة، بل والمشاركة في انقلابات عسكرية أوصلت البلاد إلى حروب أهلية وتمزق اجتماعي. حتى عندما تظاهر بدور “المنقذ”، كان في الحقيقة يكرس هيمنة العسكر على السياسة، مما أفشل أي فرصة لبناء دولة مدنية ديمقراطية.

إن الجيش السوداني، بهيكله الحالي، هو مؤسسة غير قابلة للإصلاح لأنها نشأت أساساً لخدمة أجندة غير وطنية. فخلال الحقبة الاستعمارية، كان أداةً لحفظ المصالح الإستعمارية، وبعد الاستقلال، تحول إلى أداة لقمع ثورات الهامش المسلحة، والحراك الشعبي الذي هدد مصالح النخب الحاكمة. حتى عندما تدخل في السياسة تحت شعارات “تصحيح المسار”، كان يكرس الفساد والاستبداد، كما حدث في انقلابات عديدة، آخرها انقلاب إكتوبر 2021 الذي دمر الآمال الانتقالية الهشة.

لذلك، فإن الحل الوحيد يكمن في تفكيك هذه المؤسسة العسكرية القائمة على التركة الاستعمارية وبناء جيش جديد من الصفر، جيش يخضع لسلطة مدنية منتخبة، ويُبنى على أسس مهنية بعيداً عن الولاءات السياسية أو العرقية. هذا الجيش يجب أن يكون خادماً للشعب، لا سيداً عليه، وأن يقتصر دوره على الدفاع عن الحدود وليس التدخل في السياسة أو قمع المواطنين.

صحيح أن هذا المسار محفوف بالتحديات، خاصة مع وجود تحالفات داخلية وإقليمية تدعم بقاء الجيش الحالي كحارس لمصالحها. ولكن لا خيار أمام السودان إذا أراد الخروج من دائرة العنف والانهيار إلا بإعادة هيكلة جذرية لمؤسساته العسكرية والأمنية. وهذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وحواراً وطنياً شاملاً يضع مصلحة السودان فوق كل الاعتبارات.

إن استمرار الجيش السوداني بهذا الشكل يعني استمرار الدولة الفاشلة. فالدول التي تريد النهوض لا تبنى على جيوش أسست على يد المستعمر، بل على جيوش وطنية تُؤسس لخدمة الوطن، لا لاستعباده. السودان بحاجة إلى ثورة عسكرية حقيقية – ليس انقلاباً، بل تفكيكاً وإعادة بناء – لأن مستقبله لن يتحقق بوجود جيش يعتبر نفسه وصياً على الشعب بدلاً أن يكون خادماً له.

إرسال التعليق

لقد فاتك