ياسمين آدم المصري : هل غابت الثقافة عن مشهد الحرب؟ - صوت الوحدة

ياسمين آدم المصري : هل غابت الثقافة عن مشهد الحرب؟

في ظل الحرب الدامية التي يعيشها السودان منذ أكثر من عامين لا يبدو أن صوت الثقافة والفنون يسمع كما كان الحال في محطات تاريخية سابقة، حيث لعب المثقف السوداني دورا فاعلا في مقاومة الاستبداد وبناء الوعي الجمعي. اليوم، يمر المشهد الثقافي بحالة من الانكفاء والعزلة، ليس فقط بسبب واقع الحرب القاسي، بل أيضا نتيجة لغياب المشروع الثقافي الذي يتجاوز الأنا الفردية، ويتجه لبناء خطاب جماعي يعبر عن جراح الناس وآمالهم.

في سنوات ما قبل الحرب، لطالما كان للفنان والمثقف السوداني دور كبير في التعبئة السياسية، عبر الشعر، الغناء، المسرح، والكتابة. لكن الحرب الأخيرة فرضت واقعا جديدا، أرهق الجميع نفسيا ومعيشيا، وجعل حتى المبدع أسيرا لصراعات البقاء والنجاة. لم تعد الثقافة ساحة لمواجهة الظلم فقط، بل أصبحت ـ في كثير من الحالات مساحة للنجاة الذاتية، أو ما يمكن تسميته بـ ثقافة النفس فقط، حيث يكتب أو يغني أو يمثل البعض لأنفسهم، لا من أجل الآخرين، ولا تعبيرا عن واقع جماعي.
في المقابل، برزت أصوات فنية وثقافية تقف مع طرف سياسي ضد الآخر، وظهر ذلك في مواقع التواصل وفي بعض الأعمال الفنية، مما عكس انقساما حادا حتى في جسد الثقافة.

هذا الاصطفاف أضعف قدرة المثقف والفنان على لعب دور الجسر بين الضفتين، أو التعبير عن إنسانية مشتركة، وجعل من الفنان أحيانا جزءا من المعركة، لا شاهدا أخلاقيا عليها. ووسط هذا الانقسام، تراجع الخطاب الثقافي الذي يدعو للسلام، أو يكشف بشاعة الحرب دون تحيز، بل أصبح نادر أن نجد أعمال فنية تعبر عن مآسي المدنيين أو تتساءل بصدق عن مآلات البلد.

لكن مع ذلك، تظل الثقافة واحدة من أهم أدوات كسر الحواجز، والتأسيس لمساحات لقاء آمن بين المختلفين. المطلوب اليوم ليس فقط أن يعود الفنان والمثقف، بل أن يعودوا بوصفهم رؤية جماعية، لا مجرد تجارب فردية. على الثقافة أن تخرج من دائرة الذات المعزولة، لتواجه الحقيقة، وتعبر عن الناس، وتحلم معهم.

إن الثقافة لا توقف الحرب وحدها، لكنها قادرة على إعادة تشكيل الوعي، وطرح أسئلة المصير، وخلق خيال مشترك نحو سلام ممكن. المثقف ليس نبيا، ولا بطلا خارق، لكنهما يملكان تلك الكلمة والنغمة والصورة التي تفتح النوافذ في الجدران المغلقة. فهل يستعيد الفن السوداني هذا الدور؟ وهل يستفيق ضمير الثقافة من سباته؟ أم نظل نكتب عن الألم من بعيد، في عزلة مريحة لا تشبه ما يعيشه الناس في قلب النار !

إرسال التعليق

لقد فاتك