عزيز الدودو يكتب : النخب المركزية وتأجيج الصراعات القبلية
لا تزال النخب المركزية تتمتع بقدرة على التأثير على قطاعات واسعة من الشعب السوداني. هذه المكونات، بسبب طبيعتها التي يمكن وصفها بالسلبية والجهل، لا تستطيع استيعاب المؤامرات الخبيثة التي تُحاك ضدها سرًا وعلنًا. على سبيل المثال، ما الذي يدفع قبائل مثل المساليت، والزغاوة، والفور إلى دعم الجيش والانحياز إليه، على الرغم مما ارتكبه من انتهاكات بحقهم خلال أزمة حرب دارفور بين عامي 2003 و 2005؟
يقول البعض إن تلك الأزمة صنعتها حكومة “الإنقاذ” وأن عهدها قد انتهى، وكأن “الإنقاذ” كانت شخصًا وليست منظومة متكاملة.
اليوم، لا تزال جميع رموز الإنقاذ موجودة وتسيطر على مؤسسات الدولة. بل إن البرهان نفسه، الذي كان مسؤولًا عن الإشراف على المليشيات وتسليحها وتوفير الإمكانيات لها لمحاربة هذه القبائل الثلاث، أصبح الآن رئيسًا ويمثل أعلى هرم القيادة. كذلك، يقف قائد الجنجويد، موسى هلال، المتهم لدى المحكمة الجنائية الدولية، مع ضحاياه في حلف واحد تحت شعار “جيش واحد شعب واحد”. الجميع يعلم أن الجيش نفسه لم يكن واحدًا وموحدًا على الإطلاق، بل هناك عشرات المليشيات التي تقاتل إلى جانبه، لكل منها أهدافها الخاصة. هذه المليشيات لا تدين بالولاء لقائد الجيش ولا تأتمر بأمره، بل يقتصر ولاؤها على قبيلتها أو جماعاتها الإسلامية المتطرفة.
قبل أسبوع من بدء الحرب، كان هناك حديث عن دمج وإصلاح المؤسسة العسكرية. كان موضوع الدمج هو الحجة التي برر بها البرهان اعتراضه على الاتفاق الإطاري، وتهرب من موضوع الإصلاح العسكري برفضه حضور ورشة الإصلاح، وذلك نتيجة لإملاءات مصرية. جاء هذا بعد ذهاب مجموعة “الكتلة الديمقراطية”، بقيادة مبارك أردول، إلى مصر وتحاورت في مؤتمر أطلقوا عليه اسم “الحوار السوداني”، رغم أنه لم يكن كذلك.
كانت الحكاية في الواقع محاولة مصرية لقطع الطريق على الاتفاق الإطاري وإشعال الحرب، بالتنسيق مع فلول النظام البائد، الذين أعلنوا صراحة في إفطارات بدر في تلك الأيام أنهم لن يسمحوا بتنفيذ الاتفاق الإطاري، في تحدٍ علني لجميع الأطراف الداعمة له، بما فيها بعثة الأمم المتحدة بقيادة فولكر.
يجب أن ندرك أن هذه الحرب هي حرب مطالب، وليست قبلية كما يروج لها دعاة الفتنة من فلول النظام والنخب المركزية العنصرية. هذه الفتنة صنعتها غرف مخابراتية في الخرطوم للتلاعب بأبناء الهامش والزج بهم في صراعات وحروب فوضوية لا هدف نبيل لها. بل إن هدف النخب المركزية هو تدمير النسيج الاجتماعي وإغراق مجتمعات الهامش في فوضى الاحتراب القبلي، حتى لا يفكر أحد في القضايا الكبرى مثل المشاركة العادلة في السلطة، وإعادة هيكلة المؤسسات والأجهزة النظامية والأمنية، وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة تتضمن مشاركة جميع أهل السودان في مسودة البناء والتأسيس.
الجمهورية القديمة قامت وفق شروط المستعمر وعبر وكلائه، ولم يتم استشارة بقية المكونات السودانية، بل تم إخضاعهم بقوة السلاح. لهذا السبب، تعد الدولة السودانية الوحيدة التي عجزت عن تحقيق السلام والاستقرار على مدى سبعة عقود منذ خروج المستعمر، بسبب تسلط النخب المركزية ورفضها التنازل عن امتيازاتها، وحرمان الغالبية العظمى من أبناء السودان من حقوقهم الطبيعية في وطنهم. لا تزال هذه النخب تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن هيهات!
إرسال التعليق