عزيز الدودو يكتب : هيمنة المليشيات القبلية المسلحة على حكومة كامل إدريس
في السودان، لا تُمنح الحقوق بالمنطق أو بالولاء المجاني، بل بالسلاح والقدرة على الابتزاز. هذه هي القاعدة التي تحكم معادلة السلطة والثروة، والتي تجسدت بوضوح في حكومة كامل إدريس الأخيرة، التي جاءت مخيبة لآمال داعمي الجيش، حيث أُسقط معيار الكفاءة لصالح تحالفات قبلية ومليشيات إسلامية مسلحة.
لطالما كانت السلطة في السودان حكراً على من يملكون نفوذاً عسكرياً أو قبلياً قادراً على فرض الأمر الواقع. حتى أسماء الشوارع في الخرطوم تبدو كرمزية لهذه المعادلة المشوهة: “شارع الحرية” يقودك إلى “حي السجانة”، و”شارع الغابة” ينتهي بك عند القصر. قد يبدو الأمر مصادفة، لكنه يعكس منطقاً ممنهجاً تتبناه النخب الحاكمة: الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع.
اليوم، بات الجيش السوداني أسير تحالفات مريبة مع مليشيات قبلية وكتائب إخوانية “كيزانبة” تملك أجنداتها الخاصة، وتفرض هيمنتها على مؤسسات الدولة. هذه المليشيات لا تشارك في السلطة فحسب، بل تحتكر الثروة أيضاً، بينما تُهمش القبائل التي قدمت دعمها للجيش دون مساومة أو ضغط.
قبائل مثل النوبة، التي وقفت إلى جانب الجيش بسخاء، لم تحصل سوى على فتات المناصب، بينما حصدت المليشيات المسلحة نصيب الأسد.
هذا ليس غريباً في دولة تعتمد منطق “الغلبة العسكرية”. فكما قال هنري كيسنجر يوماً: “أمريكا لا تدفع ثمن ما يُهدى إليها”، كذلك الجيش السوداني لا يكافئ الولاء المجاني إلا بالجحود والنكران.
على سبيل المثال النوبة، الذين قدموا دعمهم بلا شروط، تم تجاهلهم لأنهم لا يملكون وسيلة ضغط فعّالة. والنتيجة؟ حكومة توزع المناصب على أساس القوة العسكرية، لا الكفاءة أو الشراكة الوطنية.
المفارقة تكمن في أن النوبة، رغم دعمهم اللامحدود للجيش، كان وضعهم أفضل في حكومة “تأسيس” ، حيث حصلوا على نحو 30% من المناصب، بما في ذلك منصب رئيس القضاء لأول مرة في تاريخ السودان يمنح منصب رئيس القضاء لشخص مسيحي حسب التسريبات الأخيرة. بينما في حكومة بورسودان، لم يحصلوا سوى على مناصب شكلية بلا صلاحيات حقيقية.
الرسالة هنا واضحة: في السودان، لا مكان للضعفاء أو المخلصين. السلطة لا تحترم إلا لغة السلاح، والولاء المجاني يُكافأ بالجحود. وإذا أرادت القبائل الموالية للجيش أن تنال حقوقها، فلا بد أن تدرك أن المنطق الوحيد الذي تفهمه الدولة هو منطق القوة والمساومة. ففي ظل حكم المليشيات، لا قيمة للولاء الذي لا يقترن بتهديدٍ مسلح.
إرسال التعليق