دار فور الأرض و الحاكورة
قد يجد الباحث نفسه أمام العديد من المغالطات حول مفهوم الدار و الحاكورة ، ويرجع ذلك إلى غياب المصادر المكتوبة في الحقبة التي نشأ فيها هذا المفهوم و حقبة ما قبل الاستعمار
كما أنه قد تواجه صعوبة في تفسير هذه المصطلحات غالبًا ما يتعقد بسبب ارتباطها بالإثنية أو العرقية أو أنظمة الحكم المختلفة.
و مع مرور الزمن، تتشابك الأساطير، لكن تفكيكها وإعادة تحليلها يكشف عن حقائق أعمق. وأهم ما في الأمر أنه لا يوجد مصدر أكاديمي موثوق يثبت ارتباط الأرض بعرقية محددة. وإن كان هناك ارتباط، فالداجو هم أول من أسس سلطنة في المنطقة، قبل أن يخلفهم التنجر بعد حكم استمر نحو ثلاثمائة عام، انتهى بحرب نقلت السلطة إلى أيديهم. لكن لم تدم هيمنتهم، إذ خضع سلاطينهم لاحقًا لنفوذ إمبراطورية كانم-برنو حتى مطلع القرن السابع عشر، حين بدأت سلطنة جديدة بقيادة الكيرا.
ومع توسع هذه السلطنة، لم تكن بعض المناطق، مثل دار قمر، جزءًا منها إلا بعد مبايعتها طوعًا، لكنها احتفظت بحكم ذاتي وإدارة منفصلة عن كيرا. كذلك، لم تتبع مناطق مثل دار بني هلبة، دار تعايشة، دار هبانية، دار رزيقات جنوب، ودار رزيقات شمال للسلطنة حتى عهد السلطان محمد الفضل. وبعد سقوط السلطنة على يد الزبير رحمة، ثم استعادتها لاحقًا على يد السلطان علي دينار، انضمت أغلب المناطق، باستثناء الضعين، التي لم تكن جزءًا من سلطنة دارفور ولا وحدة إدارية تابعة لها.
أما دار أندوكا، فقد احتفظت باستقلالية تامة رغم دخول سلطانها تحت طاعة سلطنة دارفور.
وهذا يدل على أن السلطنة كانت أشبه بنظام فيدرالي ضعيف، يتربع على قمته سلطان يتمتع بسلطة مطلقة.
هذه الرواية تؤكد أن مفهوم “الدار” لم يكن مرتبطًا بالأرض بقدر ما كان يتعلق بنظام الحكم، وهو نظام لم تحتكره عرقية معينة، بل كان قائمًا على تضامنات اجتماعية وتشاركية في الإدارة
اي بمعني انها تعد نقطة انتقال اجتماعي تشكلة لظروف و عوامل اجتماعية.
وفي الرواية الشعبية، قبل الاستعمار، لم تكن النخبة الحاكمة من مجموعة عرقية واحدة، بل تألفت من عدة مجموعات إثنية، وهو ما يعكس طبيعة النظام الإداري في دارفور.
كما أن مصطلح دار هو كلمة عربية تعني المنزل أو الوطن، وكلمة حاكورة مشتقة من الحكر بمعنى الاحتكار.
ويُرجَّح أن أصل الأسرة الحاكمة في دارفور يعود إلى الكيرا، الذين يُعتقد أنهم نتاج تزاوج بين الكنجارة والعرب الهلاليين، مما أدى إلى ظهور السلطان سليمان سولونج.
وبنظرة أخرى إلى دارفور قبل الاستعمار، نجد أن الجميع كان بإمكانهم امتلاك حاكورة، حتى أن الرحالة التونسي أشار إلى امتلاكه حاكورة هناك. كما كانت هناك مملكة للخزام داخل حدود دارفور الحالية، بل وتذكر الذاكرة الشعبية أن أحد ملوك خزام تولى رئاسة سلطنة دار أندوكا.
فقبل الاستعمار، كانت الدار منظومة متكاملة تشمل إدارة الضرائب، المحاكم الأهلية، شؤون الجيش، وتنظيم حياة السكان.
و تعد الوسيلة العرفية لضبط سلوك المجتمعات و الأفراد من خلال تفعيل و تطبيق القوانين العرفية باعتبارها الشرائع و اللوائح المنظمة لكل نواحي الحياة بين سكان المنظمة.
ومن هذا المنطلق، يمكننا القول إن مصطلحي السكان الأصليين و الوافدين الجدد هما مفاهيم حديثة نشأت بفعل الاستعمار، حيث سعى المستعمر إلى إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي وفق رؤية تخدم مصالحه.
إرسال التعليق