سليمان الهادي مسبل يكتب : حضارة_البدو
لعل في العنوان شيئا من التناقض، إذ أننا اعتدنا أن نسمع كلمة الحضارة في مقابل البداوة كأنهما ضدان.
ولكني وضعته هكذا لشيء في نفسي:
درج كثير من أعدائنا أن يذمنا ببداوتنا وإبلنا وغنمنا لأنه لم يجد للذم موضعا فينا، فعيّرنا بالبداوة وزعم أن هولاء قوم همجيون منعزلون عن العالم منقطعون عن تاريخ الأمم لا يعرفوهم أحد ولا يعرفون أحدا، لا ديار لهم ولا مأوى.
والعرب – أيها المكسين- كان شأنها في الجاهلية الترحل بإبلها وشائها تتبع منابت العشب ومواقع المطر، ولهذا كثرت أسماء الديار في شعرهم لأنهم لا يكادون يستقرون في دار.
فلما جاء الإسلام ومُصّرت الأمصار( أي أسست المدن) سكنها بعضهم، وبعض لا يزال بدويا راعيا للإبل يتجافى عن المدينة وهولاء هم [ الأعـراب] .
فمن هولاء قبائل من جهينة هاجرت إلى بلاد السودان منذ قرون كثيرة ..
فهل تترك عادتها في الرحيل وتقطن مدن السودان؟
لا، قطعا لأن المدنية التي ببلاد الحرمين لم تُغْرِهم فرحلوا عنها فكيف تغرهم مدنية السودان ؟
ولذلك حافظوا على ما سنه آباؤهم ولم يغيّروا ولم يبدلوا..
وإذن هذه البداوة نفسها هي حضارة عريقة، موروث تاريخي عظيم ، متحف متحرك ، لا يقل شأنه عن الأهرام ، وسور الصين العظيم …الخ
ومن شأن الأمم أن تعشق تراثها وتدافع عنه ولذلك كتبت هذا المقال المختصر فافهم أيها الأحمق المسكين .
ورحم الله الشاعر الأموي ( القطامي) حيث قال:
وَمَن تكُنِ الحضارةُ أَعجَبَتهُ
فأيَّ رجال باديةِ تَرَانا
وَمَن رَبَطَ الجِحاشَ فإنَّ فينا
قناَ سُلباً وأفراساً حِسانا



إرسال التعليق