خوازيق الترابي
خوازيق الترابي
أحد أقاربنا “متنكر” ادعى أن الخرطوم خالية من القمل!
أما قريبنا الآخر، وهو ضابط استخبارات سابق في جيش البازنقر وكان “ياور” للرئيس الأسبق جعفر نميري، فقد روى لنا أن نميري لم يكن ينام أكثر من ساعتين متواصلتين. كان يستيقظ مفزوعًا، يصرخ من كوابيس تطارده كل ليلة. يستيقظ غارقًا في العرق، يهرع إلى الحرس ليسألهم:
– “الواطة لسه ما أصبحت؟”
فيجيبونه:
– “لسه يا سعادتك”.
فيطلب سفة، يسفّها، ويعود إلى الداخل… لكن بعد ساعات، يعود الصراخ والفزع مجددًا. لم نكن نعلم ما كان يراه في منامه، لكن المؤكد أنه كان يرى الهول بعينه.
فهل يُعقل أن يقول قائل إن سبب أرق نميري كان “مرقود” في سريره أو “قمل” في سرواله؟ أم أن ما كان يطارده في النوم هو نفسه ما حاصره في يقظته: الخوف من الجرائم، من الدماء، ومن لعنة التاريخ؟
فرعون، حين أدركه الغرق، قال: “آمنتُ بالذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين”.
زين العابدين بن علي، حين ضاقت عليه تونس، قال لشعبه: “فهمتكم”، ثم فرّ.
والبرهان… ليس استثناء.
دكتاتور قاتل، جبان، كسابقيه. وإن اقتربت الدعم السريع من بورتسودان، فسيهرب كما هرب من الخرطوم. وإن وقع في الأسر، فسيقول: “آمنتُ بالذي سنّ التغيير، وجعل ثورة ديسمبر المجيدة ناموسًا للكون، وأنا من المدنيين”. وربما يصرخ: “باع!”، ويستغيث بندى القلعة!
الناس تتهم حسن الترابي بأنه وراء خازوق الإنقاذ، وهذا صحيح.
ورغم أنه تبرأ لاحقًا من العسكر وفضحهم في شهادته على “الجزيرة”، إلا أنه لم يقل كل الحقيقة، وأخفى الكثير.
الإنقاذ ليست وحدها الخازوق الذي زرعه الترابي والكيزان في جسد السودان.
هناك خازوق أخطر وأقدم: قوانين سبتمبر.
ومن سخريات القدر أن من شرّع تلك القوانين كان السكران الحيران جعفر نميري، بمساعدة أعوانه من خريجي كلية غردون.
واليوم، من يدّعي رغبته في تطبيقها، هو السكران الحيران الآخر: عبد الفتاح البرهان، يعاونه علي كرتي وسناء حمد!
قوانين سبتمبر لم تكن شريعة، بل كانت خنجرًا في ظهر الوطن، وسيلة لتنظيم الجريمة والفساد باسم رب العالمين.
لكن الله لم ينزّل دينه ليُستخدم كأداة في يد حفنة من تجار الدين في بلاد السودان، يسفّون به حقوق الناس، ويجلدون الفقراء، ويتركون اللصوص يمصّون دم الوطن بالمصّاص!
ربما كان رعب نميري نتيجة كوابيس تُجسّد خياناته. وربما صار صيدًا سهلاً للترابي بسبب ذلك.
واليوم، البرهان يعيش رعبًا آخر، يطارده الدعم السريع وتطارده العدالة، فكان صيدًا سهلاً لعلي كرتي وسناء حمد.
خازوق قوانين سبتمبر الذي شرعن استغلال الدين، وهضم حقوق الضعفاء، وأشعل الحروب، وتسبب في إبادة ملايين السودانيين، هو من مهد الطريق لانهيار دولة الاستقلال، دولة 1956.
الله هو العدل، وهو الذي أرسل الرسل لترسيخ القيم الإنسانية ومكارم الأخلاق.
ومن الوهم – بل من قلة الأدب – أن يظن البعض أن الله يقبل أن تُستغل شريعته بواسطة انتهازيين لصوص.
عمر بن الخطاب حكم فعدل، فأمِن، فنام قرير العين.
أما أنا، مجدي، فحين أضع رأسي على الوسادة، لا أحتاج أكثر من أن أعدّ حتى عشرة لأنام.
وحتى لو دقّ أحدهم النقارة فوق رأسي، فلن أستيقظ!
العدل أساس الملك. أما استغلال الدين، الذي مارسته نخب “دولة 56” – تلك المافيا المختلطة من تجار الدين والغلال، وناهبي المال العام – فكان امتدادًا مريرًا لمسيرة طويلة من القهر باسم الله.
والله… بريء مما يفعلون.
وحين ترفض هذه العصبة التوبة، ويصرّون على الطغيان، فإن سنة الله تمضي:
فيرسل عليهم أمباقه.
كما أرسل على قوم موسى: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم – آياتٍ مفصلات.
حتى القمل كان آية من آيات الله.
لكن الكوز… في ضلالٍ مبين
إرسال التعليق