حول طبيعة الصراع المقبل في السودان :من معركة الهامش ضد الكيزان إلى معركة الهامش ضد المركز الجديد
في خضم الحرب السودانية الدامية، بات واضحًا أن مرحلة “الكيزان” قد شارفت على نهايتها، سياسيًا وميدانيًا. فالتنظيم الإسلامي الذي حكم السودان لعقود لم يعد يملك أدوات السلطة، ولا التأثير الجماهيري الواسع على المجتمعات السودانية كما كان من قبل.
لقد تم تفكيك بنيتهم التقليدية على يد قوات ال (RSF) وبعض الحركات المسلحة التي تبنّت موقف الحياد، كـ”الحركة الشعبية” و”الطاهر حجر” وغيرهم، وهو موقف ساهم – بشكل أو بآخر – في تسهيل المواجهة ضد الإسلاميين وسرَّع من وتيرة التحول السياسي والثوري الذي يشهده السودان اليوم.
لكن، وعلى الرغم من غياب الكيزان عن المشهد، فإن ما يلوح في الأفق لا يُبشّر بسلام مستدام، بل يُنذر بصراع من نوعٍ جديد، أكثر تعقيدًا، وأشد وطأة.
المعركة القادمة… ليست أيديولوجية
الصراع المقبل لن يكون مع الإسلاميين التقليديين، بل مع نخب اجتماعية واقتصادية جديدة، أغلبها من أبناء الشمال النيلي. هؤلاء لا يرفعون شعارات الإسلاميين، ولا ينتمون ظاهريًا إلى طائفة أو حزب بعينه، لكنهم يتمسكون بذات الامتيازات البنيوية التي تأسس عليها مشروع الدولة السودانية منذ الاستقلال.
هم لا يتحركون بدافع أيديولوجيا، بل انطلاقًا من مصالح طبقية وقبلية راسخة. وهم يملكون أدوات السيطرة على الدولة: من المؤسسات العميقة، إلى القطاع المصرفي، وشبكات التجارة، والتعليم، والإعلام، وحتى الجيش.
هؤلاء هم الوجه “الحديث” للمركز، دون أن يكونوا امتدادًا مباشرا لحزب أو جماعة. لكنهم، رغم ذلك، يمثلون استمرارًا لمنظومة تاريخية ظلت تُقصي الهامش وتُعيد إنتاج التهميش بأشكال مختلفة.
معركة الهامش القادمة… مع المركز ما بعد الكيزان
الصراع المقبل، إذًا، لن يُحسم بالسلاح فقط، ولن يُدار بالشعارات القديمة. إنه صراع سياسي اجتماعي شامل، بين مشروعين:
• مشروع يسعى إلى إعادة صياغة الدولة السودانية على أسس العدالة والتمثيل المتساوي؛
• وآخر يهدف إلى ترميم مركز السلطة التاريخي بوجوه جديدة وأدوات عصرية.
الثورة السودانية أظهرت أن الإشكال لم يكن فقط في “الإنقاذ” كنظام سياسي، بل في منظومة اجتماعية واقتصادية كاملة، ما زالت تحاول إعادة إنتاج نفسها تحت لافتات مدنية، أو قومية، أو حتى علمانية، إذا اقتضى الأمر.
وعي الهامش يتقدّم
لكن الهامش اليوم لم يعد كما كان. لقد أصبح أكثر وعيًا، وأكثر تنظيمًا، وأكثر قدرة على إدراك تعقيدات المشهد. وهو لم يعد يطالب بمجرد دمج شكلي في المركز، بل يسعى لإعادة هيكلة العقد الاجتماعي السوداني من جذوره.
ولذلك، فإن التحدي الأكبر أمام القوى الثورية اليوم لا يتمثل فقط في مواجهة بقايا “الكيزان”، بل في التصدي لمن يُخفي مشروع الهيمنة القبلية خلف ستار “المدنية”، أو “الإصلاح”، أو حتى “السيادة الوطنية”.
لنعِ جيدًا أن العدو المقبل… قد لا يرفع راية الإسلاميين، لكنه يحمل ذات المشروع، بلبوس جديد.
إرسال التعليق