هل أتاك حديث الهامش؟

إن فكرة التناقض بين الهامش والمركز ليست جديدة، بل تضرب بجذورها في عمق التاريخ. ففي أدبيات الماركسية، يتجلى هذا الصراع بوضوح، كما ورد في البيان الشيوعي، حيث تقف الطبقة الحاكمة – المركز – في مواجهة الطبقة المحكومة – الهامش. غير أن هذا الاستغلال لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، أي بين من يملكون ومن لا يملكون، بل يمتد إلى بُعدٍ روحي ونفسي وفكري.

فالمركز لا يكتفي بالسيطرة، بل يسعى إلى كسر وعي الهامش، وهو السلاح الأقوى في يد المهمَّشين. إنه لا يريد للهامش أن يستيقظ أو أن يدرك ذاته؛ بل يسعى إلى تغييبه، ليبقى أسيرًا لمفاهيم المركز وقيمه، مدافعًا عن مصالح لا تمثله، بل تمثل خصمه.

الهامش، حين يُستغل، لا يشعر بوجوده الخاص، بل يتماهى مع وجود المركز؛ يرى الجمال واللغة والدين كما يقدمها المركز، ويعيش في ظل صورة الآخر لا صورته. ومع إحكام القبضة الاقتصادية، يكرّس المركز أيديولوجيا تخديرية، تُبقي أدوات الإنتاج والسيطرة بيده وحده. فالجلابي يملك كل شيء: العمارات الشاهقة، وسائل الإنتاج، القرار. أما من يعمل في البناء والحراسة والخدمة، فهم من الهامش.
الضباط من المركز، والجنود من الهامش. الجلابي يملك، والهامش يُستنزف.

ومع ذلك، حدث ما يشبه الانفلات، حين استيقظت ثلّة قليلة من الهامش. وبدأت هذه القلة بمحاولة إيقاظ الآخرين، إلا أن الاستجابة ظلت محدودة. فقد نجح المركز في تخدير وعي الغالبية، ولا تزال خطاباته السائدة تبث الطمأنينة الزائفة وتُكرّس التبعية.

إننا هنا بإزاء مشهد يشبه ما وصفه المفكرون حين تحدثوا عن نوعين من العبيد: عبيد المزارع وعبيد المنازل.
فالأولون، لم يتذوقوا فتات السيد، ولذلك لا ينقصهم سوى الوعي لينهضوا. أما الآخرون، فقد انغمسوا في فتاته حتى خافوا أن يفقدوه؛ فصاروا يدافعون عن عبوديتهم، ظنًا منهم أنها أمان.

لكن، ورغم ذلك، تبقى الثورة حتمية. فحين يسترد الهامش وعيه، ويستجمع قواه، لا بد أن تنهار بنية الظلم، ويبدأ التحول.
الاصطفاف الكبير خلف قائد الهامش، محمد حمدان، ليس إلا تعبيرًا عن يقظة هذه الفئة المستغلة التي بدأت تستعيد روحها وتنتزع حقها في الوجود. وهذه الانتصارات المتتالية ما هي إلا مؤشرات على اقتراب النصر الحتمي.

وحين يُهزم المركز وتزول طبقته، وتُرفع يد الاستغلال، تبقى الحرية… ويبقى الأحرار.
وفي الحرية، فقط، يشعر الإنسان بوجوده الحقيقي.

إرسال التعليق

لقد فاتك