لماذا لا تعلن قيادة المشتركة عن مقتل عبد الله جنا ؟

لماذا لا تعلن قيادة المشتركة عن مقتل عبد الله جنا؟

  • علي جاد الله

أعتقد أن القيادة المشتركة، بمكوناتها الأساسية من مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم وعبد الله يحيى، لن تعلن عن مقتل القائد الميداني البارز عبد الله جنا. هذا الصمت لا ينبع من مجرد التكتم، بل هو استراتيجية تهدف إلى تجنب تداعيات سلبية على معنويات قواتهم وموقعهم السياسي والعسكري. يمكن تحليل دوافع هذا الصمت من عدة زوايا رئيسية:

تجنب الإقرار بالهزيمة وتداعياتها المعنوية:

إن إعلان مقتل شخصية بحجم عبد الله جنا، خاصة إذا ما ارتبط ذلك بمعركة محددة مثل معركة الخوي، سيعني اعترافًا صريحًا بخسارة فادحة. هذا الاعتراف يمكن أن يوجه ضربة قاصمة للروح المعنوية للقوات على الأرض، التي تعتمد بشكل كبير على تصور التفوق والانتصارات. بالرغم من أن مناوي نفسه قد حاول احتواء الموقف بنشره العاطفي الجنائزي الذي أكد فيه أن “التراجع لا يعني الهزيمة”، إلا أن هذا التصريح لم يمنع من تداول الأنباء عن خسائر كبيرة. إعلان مقتل قائد بهذا الثقل قد يفسر كإشارة واضحة إلى انهيار الصفوف أو عدم القدرة على الصمود، وهو ما تسعى القيادة لتجنبه بأي ثمن في ظل ظروف المعارك الجارية.

حماية الوضعية السياسية والعسكرية للقيادة المشتركة:
تُعد خسارة قادة ميدانيين بارزين مثل عبد الله جنا بمثابة فقدان لأحد أفضل الوجوه التي روجت لها قيادة المشتركة خلال الحرب. هؤلاء القادة يمثلون ركيزة أساسية في بناء الصورة القوية لقواتهم، وأي خسارة لهم يمكن أن تقلل بشكل كبير من تقدير قوتهم وفاعليتهم. يأتي هذا في وقت حساس للغاية، حيث تحاول حكومة كامل إدريس، التي تفتقر للشرعية، إعادة ترتيب تحالف برهان وملايشه. إن تعيين كامل، يأتي في سياق محاولة التخلص التدريجي من الاعتماد على الحركات المسلحة، وذلك بعد توسيع قاعدة مشاركة الميليشيات القبلية والجهوية، مثل “درع السودان” وحركات الشرق وميليشيات الشمال والبراؤون وغيرهم. لذلك، قد يقلل الإعلان من الأهمية الاستراتيجية للحركات المسلحة، مما يفتح الباب أمام قوى أخرى جديدة للمطالبة بمشاركة أكبر في المشهد السياسي والعسكري، وهذا ما لا ترغب فيه القيادة المشتركة.

تحدي غياب الجثامين وصعوبة المراسم الجنائزية:
يشكل غياب جثامين عبد الله جنا واللواء إيهاب والعميد الذي كان برفقته، وعدد من الرتب الأخرى من عقيد إلى ملازم، بالإضافة إلى عدد كبير من الجنود، تحديًا معنويًا كبيرًا. يظهر الفيديوهات المتداولة إلى أن الجثث قد ظلت غير متوارية إلى نهار اليوم وتعفنت، مما يجعل من الصعب للغاية إعلان الوفاة بشكل رسمي دون وجود جثمان لدفنه وإقامة مراسم جنائزية لائقة. ولذلك، تُعد مراسم الدفن جزءًا أساسيًا من تقبل الوفاة وتكريم الموتى، وغيابها يضعهم في حيرة ويؤثر سلبًا على معنويات ذوي القتلى والموالين.

الحفاظ على الروح المعنوية للقوات في المناطق المحاصرة:
تعاني مدينة الأبيض حاليًا من حصار شبه كامل من ثلاثة اتجاهات، مما يضع القوات المرابطة فيها تحت ضغط نفسي وعسكري كبير. وعسكريا يُعد تثبيت الروح المعنوية للجنود والضباط والمستنفرين أمرًا حيويًا للصمود. إن إعلان الهزيمة أو فقدان قائد بحجم عبد الله جنا في هذه المرحلة قد يؤدي إلى انهيار نفسي سريع ومريع، مما يسهل سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة بأقل مجهود عسكري. إعلان مقتل عبد الله جنا وحراساته يمكن أن يمثل “مادة إعلامية دسمة” لقوات الدعم السريع وحلفائها لاستخدامها في حربهم النفسية، لزيادة الضغط على المحاصرين ودفعهم للاستسلام، وهو ما تسعى القيادة المشتركة لتجنبه بكل طاقتها.
أخيرا، يبدو أن قرار الصمت حول مصير عبد الله جنا ليس مجرد تهرب من حقيقة مقتله، بل هو قرار استراتيجي متعدد الأوجه يهدف إلى حماية القيادة المشتركة من تداعيات عسكرية وسياسية ومعنوية قد تكون مدمرة في سياق الصراعهم من أجل البقاء السياسي والمادي.

إرسال التعليق

لقد فاتك