نظرية غلي الضفدع و الخطة المُحكمة

الشخص المتابع للخطوات التي تعمل بها حكومة بورتسودان – عصبة الإسلاميين – منذ إشعالها حرب 15 أبريل، يجدها مطابقة تمامًا لما يُعرف في الأدبيات السياسية بـ “نظرية غلي الضفدع”؛ حيث يبدأ الأمر بصبّ الماء البارد الذي لا يُشكّل إزعاجًا للضفدع، ثم تبدأ عملية رفع درجة الحرارة تدريجيًا، وعندما تصل الحرارة إلى حدٍّ معين، يحاول الضفدع القفز من الماء، لكنه يجد نفسه قد فقد القدرة التي تمكنه من ذلك، فيغلي حتى الموت دون مقاومة.

المتابع للمشهد السوداني يلاحظ أن الأمور تمضي – إلى حدٍّ كبير – على هذا النحو بالنسبة لكثير من القوى السياسية التي كانت فاعلة في المشهد. ومنذ اندلاع الحرب، يمكن تلخيص الخطوات التي أدارت بها حكومة بورتسودان المشهد، بطريقة تنسجم مع نظرية غلي الضفدع، كما يلي:

1. صبّ الماء البارد (الشعارات البراقة):

منذ بداية الحرب، رُفعت شعارات مثل: “حرب الكرامة”، و”الجيش القومي الوطني”… إلخ، وكانت هذه الشعارات بمثابة الماء البارد؛ حيث استطاعت أن تحشد جموعًا كبيرة من السودانيين البسطاء، وأصحاب النوايا الحسنة، إضافةً إلى ذوي الامتيازات التاريخية.

2. البداية التدريجية لرفع درجة حرارة الماء:

تعالت الأصوات المطالبة بوقف الحرب وذهاب حكومة بورتسودان إلى التفاوض، لكن الحكومة تعذّرت بوجود الدعم السريع في المرافق العامة. في هذه المرحلة، تم تقييد الحريات، وإغلاق أي نقاش في الملفات السياسية، وصدر خطاب بتأجيل كل ما يتعلق بالانتقال الديمقراطي إلى ما بعد نهاية “حرب الكرامة”.

3. درجة حرارة غير مريحة ولكن يمكن تحمّلها:

تبنّت حكومة بورتسودان خطابًا يُروّج لإجراء مشاورات من أجل تكوين حكومة مدنية، تشمل هذه المشاورات جميع القوى السياسية عدا تلك المتحالفة مع الدعم السريع. وهي خطوة تبدو إصلاحية في ظاهرها، لكنها في جوهرها شرعنة للإقصاء الممنهج، وتهيئة للشارع لقبول حكومة تيار واحد.

4. مرحلة الغليان:

أجرى البرهان تعديلًا على الوثيقة الدستورية، وأضاف شخصيتين إلى المجلس السيادي دون مشاورة بقية أعضاء حكومته. وأخيرًا، تم تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء. وقد تسرّبت معلومات تفيد بأن الحكومة التي يرأسها كامل إدريس تضمّ ممثلين عن كتائب البراء ودرع البطانة. هذه الحكومة تُجسّد صورة لحكومة عسكرية – قبلية – دينية، تمّ هندستها تدريجيًا، حتى لا يلاحظ الناس خطورتها إلا بعد اكتمال ملامحها.

اليوم، تجد القوى السياسية نفسها عاجزة عن إحداث أي ردّة فعل، بعدما فقدت القدرة على ذلك نتيجة صمتها في لحظة الحدث الأول، واستمرارها في الصمت طوال المراحل السابقة. وهي الآن لا تملك من مراحل الحياة السياسية سوى انتظار النهاية.

في الختام:

على الجميع أن يدرك أننا أمام ضفدع يغلي في قدر اسمه “الانتقال”، على نارٍ اسمها “الكرامة”، لنجد أنفسنا في النهاية أمام نظام شمولي جديد بوجه مموّه.

أخيرًا:

فلنُبكر بالوعي بنظرية غلي الضفدع، حتى لا نستفيق يومًا على وطن لم نعد نعرفه

إرسال التعليق

لقد فاتك