مجزرة منطقة الخيرات
ما حدث للنوبة في منطقة الخيرات بشرق النيل بمدينة بحري، لا يمكن الاكتفاء بإدانته كانتهاك من انتهاكات الحرب أو كأحد إفرازاتها، بل يجب تسليط الضوء على هذه الممارسات وفضح دوافعها الحقيقية، التي تعكس استهدافًا متكررًا ومنهجيًا خلال حرب 15 أبريل. هذا الاستهداف بدأ من النيل الأزرق، مرورًا بـالجزيرة، وبحري، وأم درمان، وجنوب الحزام، وسوبا في الخرطوم.
شهدت هذه المناطق مجازر ومذابح استهدفت فقط القبائل ذات الأصول الزنجية. وثّقت كاميرا كتائب البراء هذه الانتهاكات ونشرتها، حاملة رسائل واضحة تعبّر عن رغبة حقيقية في تهجير مكونات بعينها، واستمرار احتكار الدولة من قِبل إثنية واحدة ترفض الآخر المختلف عنها.
الحقيقة أن عرب شرق النيل تعاونوا مع قوات الدعم السريع، وكذلك عرب الجزيرة وبحري، ولكنهم لم يتعرضوا للاستهداف طوال هذه الحرب. بل إن هذا الاستهداف طاول مكونات أخرى ذات أصول غير عربية فقط. لذلك، لا يمكن فصل هذا التطرف عن الرسائل التي حملتها تصاميم العملة الجديدة ذات الشعار “العمسيبي”، ولا عن خطابات وممارسات الدولة، وقانون “الوجوه الغريبة” الذي يُطبق الآن على آلاف المواطنين داخل سجون بورتسودان ومعتقلات أخرى. ناهيك عن مئات الضحايا الذين قُتلوا ذبحًا أو رميًا بالرصاص، فقط لأن ملامحهم لا تشبه جغرافيا “عمسيب”.
هذه الانتهاكات تسعى لتغيير ديمغرافي يُشكّل هندسة اجتماعية تتماشى مع مخطط مثلث حمدي، المُستمد من الذهنية “العمسيبية” الحالمة ببناء دولة تحتكرها إثنية واحدة وثقافة واحدة، لا تؤمن بالآخر المختلف، ولا تتقبله، وتسعى للمحافظة على نظام “الجمهورية الأولى”، الذي يضمن امتيازات النخبة الاجتماعية المهيمنة على مفاصل الدولة منذ خروج المستعمر.
هذا التطرف هو امتداد لحروب السودان، منذ تمرد توريت عام 1955، ومن يحتضنه هو بلا شك عدوٌ للسودانيين، ويقف ضد إرادتهم في تأسيس دولة القانون والمؤسسات، الدولة التي لا تذبح أحدًا بسبب عِرقه أو لونه أو جغرافيته أو معتقده.
هذه الحرب مفصلية: فإما أن نتضامن كسودانيين من مختلف المناطق الجغرافية ونتخلص من نظام الجمهورية الأولى المحتضن للتخلف والإرهاب والتطرف، ونسعى لتأسيس دولة المواطنة المتساوية؛ أو نظل نكتوي تحت نيران الطغيان والاستبداد، واستمرار القتل والسحل، في معادلة غير منتهية من الحروب والصراعات
إرسال التعليق