ياسمين آدم المصري : الفاشر المختنقة: حين يحتجز الجيش والحركات المدنيين كدروع بشرية - صوت الوحدة

ياسمين آدم المصري : الفاشر المختنقة: حين يحتجز الجيش والحركات المدنيين كدروع بشرية

ما يحدث في الفاشر ليس فقط تجاوزا أخلاقيا، بل يمثل توظيفا ممنهجا للمدنيين كوسيلة لحماية المواقع العسكرية للجيش والحركات. هذه ليست قرارات آنية اتخذت في لحظة خطر، بل هي جزء من خطة عسكرية متعمدة لتحصين المدينة سياسيا وميدانيا ,من خلال منع الأهالي من الخروج عبر الممرات الآمنة التي اقترحتها قوات التحالف التأسيسي وحكومةالوحدة والسلام ، يتم إبقاء الكتلة السكانية داخل المدينة لتكون حاجزا بشريا يحول من استرداد المدينة من ايدي جيش الحركه الإسلامية ومن يحاربون معه .

وهذا يزيد من تعقيد القرار الدولي بشأن أي عملية عسكرية في الفاشر خشية سقوط عدد كبير من الضحايا. إن استخدام المدنيين كدروع بشرية جريمة بموجب البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام 1977 ، التي تحظر استخدام وجود الأشخاص المدنيين لحماية نقاط أو مناطق عسكرية من العمليات العسكرية.

بالنسبة للجيش والحركات، فإن بقاء الفاشر تحت سيطرتهم مهم من ناحيتين
تعتبر رمزية سياسية لأنها المدينة الكبرى الوحيدة في دارفور التي لم تسترد بعد و تصبح منطقة محررة
وتمثل موقع تفاوضي مهم مع استمرار وجودهم هناك يعطيهم وزنا أكبر في أي تسوية قادمة أومحادثات سياسية إقليمية.

في المقابل، تحرير الفاشر علي يد قوات التحالف التأسيسي يعني السيطرة الكاملة على دارفور، وهو ما تعتبره “مجموعة بورتسودان” تهديدا مباشرا، خاصة بعد الخلافات الداخلية التي شهدتها الحكومة في الشرق، وقرارها مؤخرا بإخلاء الخرطوم من كل المعسكرات، مما أضعف نفوذ الحركات المسلحة في المركز. الصراع على الفاشر يكشف عن عمق الأزمة في السلطة الانتقالية بشرق السودان، والتي باتت تخشى توسع التحالفات القادمة من الغرب (دارفور) على حساب المركز القديم.

المدنيون اليوم في الفاشر لم يحتجزوا فقط كدروع، بل تم تجويعهم أيضا بشكل متعمد. الأحياء الجنوبية والغربية للمدينة تشهد نقصا حادا في المواد الغذائية والطبية، وسط تقارير عن موت أطفال بسبب سوء التغذية..وفي تقارير رويترز، تم توثيق قيام المواطنين بأكل أوراق الشجر والأعلاف، وبعضهم دفن في مقابر جماعية بسبب استحالة الوصول للخدمات الطبية.

رفض الجيش والحركات مغادرة السكان للمدينة يتجاوز الهدف العسكري إلى سلاح سياسي مباشر الحفاظ على صوت الصراع حيا، وابتزاز المجتمع الدولي. كلما تفاقمت الأزمة، كلما زاد الضغط على المجتمع الدولي والمنظمات، وأصبح الجيش والمشتركة يحصدان اهتماما إعلامياوسياسيا، وهذا جزء من تكتيكات الاستنزاف السياسي

استمرار الحرب في الفاشر لا يساهم في الحسم، بل في تعقيد التوازنات القائمة، لان الجيش والحركات قد يخسرون عسكريا و يكسبون ورقة الجوع والمعاناة كورقة ضغط في أي طاولة تفاوض.

ما يثير الريبة هو غياب صوت واضح من مجلس الأمن أو الاتحاد الإفريقي بخصوص هذه الممارسات. المجتمع الدولي يراقب بصمت هذه المأساة، دون تحرك فعلي لفرض ممرات إنسانية أو تطبيق عقوبات على من يمنع المدنيين من المغادرة.
حتى بعد التقارير التي صدرت عن الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش، لم نشهد تحركا فعالا سوى إدانات عامة، بينما تستمر الكارثة.

الجيش والحركات يستخدمون المدنيين في الفاشر كدروع بشرية ليس فقط لحماية مواقعهم، بل أيضا كورقة سياسية تفاوضية. هذا السلوك يرقى إلى جرائم حرب، في ظل كارثة إنسانية صامتة، واستغلال ممنهج للجوع والمعاناة. سقوط الفاشر قد يعيد رسم الخارطة السياسية في السودان، ولهذا يتمسك بها الجميع، ولو على أنقاض السكان.

إرسال التعليق

لقد فاتك