نصر الدين رحال يكتب : أزمة السودان اجتماعية ام سياسية؟ - صوت الوحدة

نصر الدين رحال يكتب : أزمة السودان اجتماعية ام سياسية؟

يوليو ٢٠٢٥م

شهد السودان منذ أن نال استقلاله أزمات عديدة، جميعها في فترات الحكومات الشمولية الثلاث:

[عبود ١٩٥٨م – ١٩٦٤م، النميري ١٩٦٩م – ١٩٨٥م، البشير ١٩٨٩م – ٢٠١٩م].

وكل هذه الأنظمة، بحكم طبيعة تكوينها، فشلت في حلها، وفي الأساس هي من صنعها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

قد يقع الاختلاف حول طبيعة ونوع هذه الأزمات، في أنها (اجتماعية أم سياسية؟).

فهناك من يعتبرها اجتماعية، متعلقة بتهميش مجموعات سكانية معينة، تعمّدت تلك الأنظمة الشمولية حرمانها من التوزيع العادل للثروة والسلطة، فأُضطرت تلك المجموعات، بعد تنظيم نفسها، إلى استخدام وسائلها التي لجأت إليها لإجبار تلك الأنظمة على الاعتراف بحقوقها وإعطائها لها.

إلا أنني أعتبر أن مشكلة وأزمة السودان هي سياسية بحتة، حيث إن الأصل في الوصول للسلطة لا يتأتى إلا من خلال تنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني قومية، تتنازع حول السلطة بطرق مشروعة.

ولكن، مع الأسف، فإن التنظيمات السياسية السودانية نفسها، منذ نشأتها وميلادها في أربعينيات القرن الماضي، كانت تعاني من مشاكل فكرية وتنظيمية، بجانب فشل مشروعها في استقطاب واستيعاب جميع السودانيين والسودانيات بمختلف تبايناتهم (الاجتماعية والدينية والثقافية…)، لخلق أجسام تنظيمية سياسية مدنية قومية تستوعب كل السودانيين، حتى يرى كل شخص نفسه وتنوعه داخلها.

وهذه هي أحد أسباب فشلها، كلّفها انشقاقات داخلية، وصعّب عليها هزيمة الأنظمة الشمولية، مما أطال عمرها…

ولمعالجة هذا الخلل، تحتاج إلى مراجعة مواقفها، وممارسة الديمقراطية داخلها، قبل أن تبحث عنها خارجها. ومن ثم تُعِدّ نفسها للدخول في معركة الإصلاح السياسي العام على مستوى الدولة، حيث إن معركة الإصلاح السياسي يجب أن تكون معركة مجتمع، تصطف وتتشكل من نخبته السياسية ذات الإيمان الراسخ بالديمقراطية، من خلال جميع المؤسسات المدنية، لتدير معركتها باعترافية ضد أعداء التحول المدني الديمقراطي (عسكر ومدنيين متعسكرين)، الذين يعيقون الإصلاح السياسي لصالح بقائهم في السلطة من أجل مصالحهم الضيقة.

وفي هذا، يجب أن نعلم علم اليقين أن الإصلاح لا يأتي مجتمعًا على طبق من ذهب، منّة من الحاكم أو عطية منه، بل يُنتزع انتزاعًا بحركة نضال سياسي وشعبي شاقة، قد تأخذ من الزمن ردحًا يفوق المتوقع، وكل من دخل تلك المعركة يجب أن يكون مدركًا ومستعدًا لسداد فواتيرها الباهظة، ويُهيئ نفسه لذلك جيدًا…

حيث إن صنع هذه الأزمات السياسية التي تواجه الوطن لم تكن أيادي السلطة الداخلية وحدها من أوجدتها، بل إن هناك تدخلات أجنبية شاركتها فيها…

فمعركة الدفاع عن الوطن وانتزاعه من قبضة الهيمنة والتغوّل الداخلي والأجنبي، لا ينهض بأمره إلا مواطنون أحرار يملكون قرارهم بأنفسهم، وأن المعركة من أجل الإصلاح والديمقراطية تقع في صلب المعركة من أجل الوطن الحر، السيد، الموحد.

وأن الإصلاح الذي نحتاج إليه هو ذلك الذي يفضي إلى انفراج سياسي كامل، وإلى إطلاق الحريات العامة، وكفالة حقوق الإنسان واحترامها، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، ونظام تمثيلي نزيه…

مع تحقيق المشاركة السياسية، وصولًا للتداول السلمي الديمقراطي للسلطة، من خلاله تتم عملية إصلاح تستأصل الفساد الاقتصادي والمالي والإداري، وتُرشّد الإنفاق، وتَجتثّ أسباب الفقر والتهميش، وتُعيد النظر في هياكل توزيع الثروة والسلطة…

تعليق واحد

comments user
غسان عبدالغني

كلام في الصميم اتمنى ان يعيهgh الشعب ويعمل به

إرسال التعليق

لقد فاتك