العدناني آدم يكتب : الحواكير وماهية النزاعات التاريخية في دارفور
الحواكير وماهية النزاعات التاريخية في دارفور
حين يُطرح ملف دارفور والصراعات التاريخية التي دارت فيها، لا ينبغي إختزال الصراع في العرق “عرب” “أفارقة” أو الثقافة، لأن هذا التوصيف يُعد توصيفًا سطحيًا يتجاهل الطابع الأعمق والأكثر تعقيدًا للصراع، كما يغفل عن جذوره البنيوية، والأسباب الرئيسية وراء نشوبه؛ فمن الأسباب الرئيسية مؤسسة “الحاكورة”، التي شكلت عبر قرون آلية توزيع غير متكافئة للسلطة والموارد في
الإقليم.
الحاكورة ليست مجرد أرض يتم تمليكها، بل هي نظام سلطة تقليدي يُمنح لقبيلة أو جماعة محددة بوصفهم “أهل الدار” يمنحهم هذا النظام حق السيطرة على الأرض، والتحكم في من يُسمح له بالعيش، الزراعة أو الرعي وبذلك، تتحول الأرض التابعة للإقليم إلى مساحة للملكية، الهيمنة والحرمان.
وفقًا لهذا المنطق، فإن من لا ينتمي إلى القبيلة المالكة للحاكورة، حتى لو كان سودانيًا ومقيمًا لسنوات يُجرد من حقه في التملك أو الاستقرار، في حالة نشوب أي صراع قبلي؛ إن كانت قبيلته معادية.
و هذا أيضًا ما يفسر جذور الاحتقان بين “الرحل” و”المؤصلين” والتي لا تُحل عبر التسويات السطحية وإنما بمعالجة البنية الإجتماعية والاقتصادية للمجتمع الدارفوري.
وهذا يقودنا الى فهم طبيعة الصراع الحقيقية، وما ينفي مزاعم الحرب العرقية الثقافية أيضًا؛ هو أن المكونات الاجتماعية تتشابه أكثر مما تختلف، الغالبية مسلمة، يتحدثون لغة واحدة جامعة، ويشتركون في عادات راسخة وعلاقات مصاهرة تاريخية، لكن نظام الحواكير باعتباره نظام إقصائي، حول هذه الفروقات الصغيرة إلى حروب قبلية، حتى بين المكونات المتشابهة نفسها، سوى كانت عربية ام إفريقية.
ما يفسر أن العرقية هنا ليست سببًا للصراع، بل البنية الظالمة للمجتمعات.
الأسباب التاريخية لظهور جماعة الجنجويد
حين ظهر “الجنجويد” كميليشيا أثناء الحروب الدائرة في دارفور، رُبطت بالخراب والحرب والانتهاكات، وغفل الجميع عن نشأتها الحقيقي، والظروف الإجتماعية التي صنعت هذه المجموعات، وانصرفوا نحو الشيطنة، فهؤلاء لم يكونوا مجرد أدوات قمع بيد السلطة المركزية، وإنما في أصلهم نشأوا من عمق جماعات رعوية مهمشة، ظلت لعقود خارج دوائر الاعتراف الاجتماعي والاقتصادي و التمثيل السياسي، ومارست ضدهم الدولة المركزية، سياسة التجهيل المتعمد، بغرض إستغلال مواردهم واستخدامهم كوقود لحروبها السلطوية.
وايضًا نظام السلطة التقليدي و تقسيم الاراضي الى ” حواكير ” و ممالك صغيرة، جعل من تأثيرات الجفاف والهجرات الداخلية، أسباب نزاع حتمية، وساعد في صناعة هذه الجماعات، و عزز ميولها الى العنف و الشعور بالإقصاء.
استخدام مصطلح جنجويد في غير مسماه
بعد إندلاع الحرب الحالية و حتى قبلها وقبل الثورة، درج بعض أبناء الإقليم في إطلاق مصطلح الجنجويد في غير معترك، لأي جماعة مسلحة أو تنظيم عسكري غالبيته من أبناء الرحل، وحتى الرحل نفسهم، ما يمثل إمتدادًا للنزاعات الدارفورية ، وتشابكًا في التعريفات الغير صحيحة للصراع، على إنه ذو دوافع عرقية لا إقتصادية سياسية، و إمتداد لفخ التعميم الذي وقع فيه البعض، بالنظر الى جميع الرحل على إنهم جنجويد.
إرسال التعليق