النور احمد ناير يكتب :دارفور بين ركام الحرب وأمل التعليم: هل تصنع الكراسة ما عجزت عنه البندقية؟ - صوت الوحدة

النور احمد ناير يكتب :دارفور بين ركام الحرب وأمل التعليم: هل تصنع الكراسة ما عجزت عنه البندقية؟

تعيش دارفور اليوم لحظة مفصلية في تاريخها الحديث، لحظة مشبعة بالدم والدمع، حيث استحكمت فيها نيران الحرب الأهلية، وامتدّت لتقسّم المجتمع وجدانيًا إلى مكوّنات متنازعة، يتآكلها خطاب الكراهية والعصبيات القبلية. وفي هذا المشهد المأساوي، لم يكن التعليم سوى أول الضحايا: المدارس أُغلقت أو تحوّلت إلى ثكنات، والمعلّمون شُرّدوا، والطلاب انقطعوا عن دروسهم ليجدوا أنفسهم في قلب معارك لا يعرفون كيف اندلعت، ولا لماذا يُطلب منهم الانخراط فيها.

وسط هذا الركام، تبرز أهمية التعليم لا كخيار تنموي مؤجّل، بل كضرورة وجودية، وكطوق نجاة وحيد لإنقاذ ما تبقّى من دارفور. فالتعليم ليس رفاهية في إقليمٍ أنهكته الحروب، بل هو الأساس الذي يقوم عليه الأمن والسلام والعيش المشترك. حين يغيب التعليم، لا يغيب الحبر فحسب، بل يغيب الوعي، وتعلو رايات الجهل والتطرّف، وتُختزل الهوية في قبيلة أو جهة. وما نشهده في دارفور من تمدّد للجهوية وتعاظم للولاءات الضيّقة، ليس سوى ثمرة مُرّة لسنوات من الإهمال التعليمي والتهميش الثقافي.

دارفور لا تحتاج مزيدًا من السلاح، بل تحتاج مناهج تُعلّم أبناءها كيف يعيشون معًا، وكيف يختلفون دون أن يتقاتلوا. فالإقليم الذي كان يومًا موئلًا للتنوّع والتعدّد الثقافي، لا يمكن أن تُستعاد عافيته إلا من خلال عقلٍ متعلّم، ونفسٍ مستنيرة. الأقاليم تنهض بالجامعات لا بالميليشيات، وتُبنى بالعلماء لا بأمراء الحرب. الإنسان الدارفوري، إذا تهيّأت له بيئة تعليمية حقيقية، سيغدو قادرًا على تحويل جراحه إلى دروس، وخساراته إلى معرفة.

وكما أنه لا أمن بلا تعليم، فإن السلم لا يتحقّق بالخُطب ولا بالاتفاقات الهشّة، بل عبر بناء جيل يؤمن بأن مستقبله لا يُرسم بالبندقية، بل بالكتاب، وأن كرامته لا تُصان عبر الانتماء لفصيل، بل بالانتماء لقيم التعايش والعدالة. التعليم هو القادر على خلق هذا الوعي، وعلى إعادة تشكيل العلاقة بين الفرد والمجتمع على أسس عقلانية وأخلاقية، بعيدة عن الغرائز والصراعات البدائية.

إن مشروع إعادة بناء دارفور يبدأ من المدرسة، من الكراسة والسبورة، من صوت المعلم وهو يزرع الأمل في عيون الصغار، لا من هدير الطائرات والمدافع. وعلينا أن نُعيد الاعتبار للتعليم كأولوية قصوى، لا كملف هامشي. فبدون تعليم، لا عدالة ولا مساواة، ولا وطن يجمع شتات هذا الإنسان المنهك.

في نهاية المطاف، لا حياة بلا تعليم، ولا سلام بلا وعي. وإن كنا صادقين في رغبتنا في إنهاء دوّامة العنف، فلنمنح دارفور فرصة للنهضة عبر التعليم، ولنفهم أخيرًا أن الغد لا تصنعه البنادق، بل تصنعه الأقلام

تعليق واحد

comments user
Fardos Ahmed

ناقشت اهم ركيزة في بناء المجتمعات النامية لانو بالعلم ترتقي الأمم بالتوفيق ان شاء الله يا النور ناير

إرسال التعليق

لقد فاتك