سعد آدم يكتب : حميدتي: النور والنار والثورة
حميدتي والثورة…
في يوم 26 ديسمبر 2019، ألقى محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، خطابًا وصفه كثير من المراقبين بالثوري، وذلك أمام قواته القادمة من وادي هور، في منطقة طيبة الحسناب بالخرطوم. كان الخطاب محوريًا ومليئًا بالرسائل المشفّرة والواضحة، وقد اعتبره البعض انحيازًا صريحًا للشارع الثوري ضد دولة الاستبداد.
وقد سارعت حكومة “الإنقاذ” حينها إلى قطع البث المباشر لقناة الشروق، التي كانت تنقل الخطاب، في إشارة إلى موقف الدولة من هذا الحدث. فقد ظهر حميدتي، في أعين الشارع الثوري، ثائرًا ومنحازًا للثوار، بينما رأته حكومة البشير متمردًا وخارجًا عن الصف.
تناول حميدتي في خطابه حينها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعصف بالبلاد، متحدثًا بجرأة وشفافية عن ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ السودان. دعا الحكومة بوضوح إلى تحمّل مسؤولياتها، والتصدّي لجشع التجار، وضبط الأسعار، وتوفير احتياجات المواطن الأساسية. كان ذلك أول خطاب علني له يتناول القضايا الوطنية من منطلق سياسي واقتصادي.
انتشر الخطاب كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وألهب مشاعر الثوار، فاعتُبر شرارة جديدة في مواجهة السلطة. ومنح الثوار دفعة معنوية كبيرة، في وقت كانت الثورة تمر بمنعطف حاسم. بعض السياسيين وصفوا الخطاب بأنه “تمرّد ناعم” على سلطة البشير، لكنه منح الشارع زخمًا كبيرًا وأفقد النظام توازنه.
⸻
حميدتي النور: شعاع وسط عتمة العسكر
أبان نجاح الثورة، ومع تغوّل العسكر على السلطة، برز حميدتي في نظر الكثيرين كـ”نور” وسط عتمة الجنرالات. وجّه عدة رسائل للقوى المدنية والثورية، دعا فيها إلى توحيد الصف، وعدم التشرذم، قائلاً مرارًا: “خلونا نخت يدنا في يدين بعض عشان ندير الدولة دي.”
ولم يكن ذلك مجرد كلام؛ ففي مفاوضات السلام، كان حميدتي جزءًا أساسيًا من فرض اتفاق سلام جوبا، الذي تم توقيعه في 31 أغسطس 2020، وأصرّ على أن الحركات المسلحة — مثل حركة مناوي وجبريل — يجب أن تُعامل كسودانيين شركاء في الوطن، لا كأعداء. ورفض أن يكون أداةً لقتالهم في الصحارى، كما أراد بعض قادة الجيش.
⸻
حميدتي النار: مواجهة الدولة العميقة
في ذات الوقت، لم يكن حميدتي رجل سلام فقط، بل نارًا مشتعلة على بقايا النظام القديم، خاصة كوادر الحركة الإسلامية وجهاز الأمن والمخابرات.
فقد دعم لجنة إزالة التمكين، ووقف ضد محاولات تفكيكها، رغم الضغوط العنيفة من الإسلاميين. كما كان من أبرز من هاجموا جهاز الأمن، الذي كان يُعرف بأنه الذراع الباطشة لحركة الإسلاميين، والمتحكم في تجارة الذهب والعملة، وحتى البنوك.
بلغت المواجهة ذروتها حين حاولت الحركة الإسلامية، مدفوعة بعناصرها داخل الأجهزة النظامية، تنفيذ انقلاب من بوابة المدينة الرياضية لإسقاط الحكومة المدنية والعودة إلى الحكم الحديدي. لكن حميدتي كان لهم بالمرصاد؛ فواجههم، وسحق قواتهم، وشتّت كوادرهم بين قتيل وجريح، في ما وصفه البعض بأعنف ضربة تتلقاها الحركة الإسلامية منذ سقوط نظامها.
⸻
خاتمة: بين النور والنار
يظل حميدتي شخصية جدلية ومثيرة للانقسام في الساحة السودانية. فبينما يراه البعض شعاع أمل في وقت الظلام، يراه آخرون خطرًا وامتدادًا للمشهد العسكري. لكنه، بلا شك، كان — في مفاصل تاريخية حاسمة — فاعلًا حقيقيًا في معادلة الثورة والدولة، بين النور الثوري والنار التي طالت خصومه من الإسلاميين والمتحكمين في الدولة



إرسال التعليق