بشرى عبد الرحمن يكتب : أدبخانة الفلول وزنقة المشتركة (2): تفكيك الأوراق - صوت الوحدة

بشرى عبد الرحمن يكتب : أدبخانة الفلول وزنقة المشتركة (2): تفكيك الأوراق

في المقال السابق، تناولنا عملية التوريط التي جُرَّت إليها حركتا مناوي وجبريل، واتخاذهما موقفًا عدائيًا تجاه قوات الدعم السريع في حرب 15 أبريل. اليوم، نناقش تعقيدات الصراع في السودان وتشابكاته بين المسارين المدني والمسلح.

الصراع في السودان يتوزع بين مسار مدني يسعى لتكريس رؤية نظام سياسي مكتمل البنية، قائم على تروس الدولة العميقة، ومسار مسلح يناضل منذ نشأة الدولة السودانية من أجل كسر هذه البنية وتأسيس وطن قائم على مفهوم الشراكة.

وخلال مراحل المواجهة المسلحة، برزت نماذج انتهازية تتبنى شعارات التهميش، يجري تصنيعها وتغذيتها بواسطة الاستخبارات العسكرية. تُستَخدم القبيلة في هذا السياق كحزب سياسي، وتتكوّن نخب انتهازية ترفع شعارات الهامش، لكنها تخدم في النهاية أجندة المركز.

نموذج “المشتركة” أو “الفلنقايات”، كما يُطلق عليه، يمثّل أحد أبرز تمظهرات هذا الانتهاك السياسي لقضايا التهميش، حيث تتصدر نخبة من قبيلة الزغاوة مشهد الادّعاء بتمثيل الهامش. هذه النخبة تحوّلت فعليًا إلى أداة في يد الجلاد، وارتمت في مستنقع الفلول طمعًا في المكاسب المادية.

التحالفات بين هذه الأطراف هشّة، قائمة على الابتزاز وتقاسم الفتات، دون اعتبار لقضايا الوطن أو معاناة المواطن. الطرف الأول (الفلول) يوظف أدواته المعهودة في التضليل وبث الكراهية، بينما الطرف الثاني (المشتركة) يستخدم خطاب التهميش كرافعة، أو يلجأ للتهديد والابتزاز للوصول إلى السلطة.

التحوّلات في المشهد السياسي لا علاقة لها بدفع الحركتين لقضايا المهمّشين، بل كانت مدفوعة بالكامل برغبة في التكسب المالي. ففي هذه الحرب، حصلت الحركتان على ما يقارب 120 مليون دولار، ذهب أغلبه إلى جيوب جنرالات الحرب داخل “المشتركة”، الذين لا تربطهم أي علاقة وجدانية حقيقية بدارفور أو بالزغاوة، بل هم مرتزقة يقاتلون لمن يدفع.

واليوم، نسمع صراخ الطرفين. طرفٌ أنجز جزءًا من أهدافه وبدأ في تثبيت أركان الفلول داخل مؤسسات الدولة الواقعة تحت سيطرته، وطرفٌ آخر يستجدي السلطة ويبحث عن الوزارات، فيما ينخرطان معًا في عمليات نهب وسرقة مستمرة في زمن الحرب.

ومن هنا، تبرز الحاجة الماسّة إلى تأسيس عمل حقيقي لبناء وعي جمعي يُدرك طبيعة الصراع وتنوع أدواته، ويُمكّن المجتمعات القاعدية من القيام بدورها في حماية حقوقها، بعيدًا عن انتهازية النضال الزائف.

إرسال التعليق

لقد فاتك