عاطف نواي يكتب : هل تتعين الفريق كبرون اقصاء لكباشي ؟ - صوت الوحدة

عاطف نواي يكتب : هل تتعين الفريق كبرون اقصاء لكباشي ؟

عقب تعيين الفريق كبرون وزيرًا للدفاع في حكومة “بور كيزان” برئاسة كميل إدريس، ضجّت الأسافير بالخبر، باعتباره لأول مرة يتم تعيين أحد أبناء النوبة في هذا المنصب الرفيع، الذي ظل طيلة التاريخ حكرًا على أبناء الشمال النيلي والوسط. وليس ذلك بمحض الصدفة، فالمناصب العليا في الجيش كانت دومًا مفتاحًا للانقلابات العسكرية، وبوابة لامتلاك السلطة والثروة.

ذهبت أغلب التحليلات إلى أن تعيين كبرون محاولة لاستعطاف النوبة كقبيلة، من أجل انخراطهم في القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع والجيش الشعبي. وقد ترسخت في أذهان كثيرين صورة افتتاح باب التقديم للكلية الحربية من كادوقلي لأول مرة، كصك خاص بأبناء النوبة.

وفي جانب آخر، وبالاستناد إلى تحليلات جدلية الهامش والمركز التي قدمها الدكتور أبكر آدم إسماعيل، اعتبر البعض التعيين مجرد “ترميز تضليلي”. أي أنه عندما تحتج مكونات الهامش على التهميش، يُشار إلى رموز مثل جورج كونغور أروب أو حسبو عبد الرحمن، كما يُشار اليوم إلى كباشي وإبراهيم جابر كممثلين لأبناء الهامش، رغم أن المنظومة المركزية لا تزال مهيمنة. هذه فرضية مختلّة منهجيًا وظالمة، لأنها تتجاهل واقع سيطرة الأغلبية المركزية على القرار السياسي والاقتصادي، وتُوظف رموز الهامش كأدوات لتجميل وجه الهيمنة.

أتفق نسبيًا مع أصحاب كلا التحليلين؛ استعطاف النوبة من جهة، والترميز التضليلي من جهة أخرى. إلا أن رؤيتي الشخصية مختلفة: أعتقد أن تعيين الفريق كبرون هو في جوهره إقصاء للفريق كباشي، وذلك للأسباب التالية:

أولًا:

الفريق شمس الدين كباشي كادر إخواني منظم ومؤدلج منذ أيام الدراسة الثانوية، تدرج داخل المؤسسة العسكرية حتى أصبح من أبرز قادة الجيش المنتمين للحركة الإسلامية، وأحد أبنائها المخلصين.

ثانيًا:

الفريق كبرون كذلك إسلامي مؤدلج، وقد ظهر في فيديوهات متعددة كأحد “الدبابين”، يجلس قرب حاج نور في غابات الجنوب، يتغنون بالأناشيد الجهادية، ويشاركون في حروب دينية ضد شعوب جنوب السودان والنوبة والفونج. هؤلاء المجاهدون لطالما روّجوا لكرامات “ميتافيزيقية” مثل الغزالة التي ترشد المجاهدين، أو الضوء الإلهي الذي يظللهم، أو القردة التي تكشف مواقع الألغام. لم يكتفوا بتصديق هذه الخرافات بل بثوها في الإعلام لتضليل الشباب، ونجحوا إلى حد كبير.

غير أن الفارق بين كبرون وكباشي أن الأول ابن المؤسسة الجهادية ذات الامتيازات المفتوحة والكرامات المصنوعة، في حين أن الثاني ابن المؤسسة العسكرية التقليدية التي تعامل أفرادها كموظفين برواتب وامتيازات محددة. وفقًا لمانفستو الحركة الإسلامية، المجاهد يُعتبر أرفع مقامًا من العسكري النظامي. ولذلك، تاريخيًا كان “الدبابون” هم شهداء “عرس الشهيد”، أما جنود الجيش فيُكتفى لهم بالدعاء إن ماتوا، ويُصنفون في بعض الأحيان كـ”فطائس”.

ثالثًا:

الدولة العميقة في السودان تُعلي من شأن أبناء الشمال النيلي حتى إنْ وُجدوا في ولايات أخرى. أما أبناء الهامش، ولو كانوا منتمين للحركة الإسلامية، فيبقون في الهامش. كباشي، مثلًا، بالرغم من مكانته، ظل مجرد “كومبارس” مع بعض الامتيازات. وقد اصطدم لاحقًا مع مؤسسة “الجلابة العرقية” ومع قيادة الحركة الإسلامية ممثلة في علي كرتي. هذه الصراعات لم تكن دائمًا معلنة، لكنها ظهرت في التراشق الإعلامي والملسنات.

بعد توقيعه على اتفاق “المنامة”، تعرض كباشي لضغوط شديدة اضطرته للتنصل منه، مما أثبت أنه ليس صاحب القرار النهائي كما يعتقد البعض. في خطابه الشهير بالقضارف، أعلن كباشي أن “كل من يريد الانضمام لحرب الكرامة يجب أن ينضم للجيش، ولا يُسمح لأي جماعة قبلية أو عقائدية بالتسلح خارج المؤسسة”. كان يقصد بذلك قوات “درع البطانة” و”درع الشمال” وغيرها من المليشيات الإسلامية. لكن البرهان خذله ولم يدعمه، واستمر التجييش والتمليش.

كرر كباشي خطابه لاحقًا، وكان هذه المرة يقصد “البراؤن”، لكن جاءه الرد من المصباح: “البراؤن هم الساس والراس، ولا يستطيع أحد الوقوف أمامهم، ومن أراد المواجهة فليأتِ إلى الميدان.” وكانت تلك صفعة قاسية لكباشي، تجاهلها البرهان تمامًا.

لم يستسلم كباشي، فكوّن متحركًا عسكريًا باسم “الصياد”، معظمه من أبناء كردفان ودارفور، لكنه انهزم في رمال كردفان، أمام قوات “المشتركة”.

خلاصة:

إن البرهان، والعطا، وكيكل، وكرتي، والمصباح — جميعهم من أبناء “المصارين البيض” — يختلفون ويتفقون فيما بينهم، لكن لا يسمحون لأي شخص من الهامش، حتى وإن كان إسلاميًا، بأن يكون صاحب قرار.

لذا، جاء تعيين كبرون كخطة بديلة لإقصاء كباشي وتحجيم نفوذه داخل الجيش. الوزير الجديد، رغم نوباوته، يتم تحريكه كرقعة شطرنج. الهدف الأساس من التعيين هو سحب البساط من تحت أقدام كباشي، خاصة أن أغلب المقاتلين من النوبة. فكان لا بد من “وزنة” جديدة تُرضيهم شكليًا بتعيين نوباوي جديد.

أما كباشي، فقد أثبت أنه رجل ماكر، لا أحد يثق فيه، ولكننا نتابع لنرى نهاية الفيلم.

إرسال التعليق

لقد فاتك