بشرى عبد الرحمن يكتب : حمدي الوهمي و خطوط المثلث
الخطوط الوهمية هي خطوط تُستخدم في مختلف المجالات مثل الهندسة المعمارية، التصميم، والرسم، لتحديد الشكل أو الهيكل أو المسار. وفي بعض الأحيان، تُستخدم هذه الخطوط لتمثيل مفاهيم أو أفكار غير ملموسة.
في هذا السياق، نجد أن وزير مالية “الفلول” السابق قد توهّم فكرة في خياله، بعيدة تمامًا عن الواقع، حين حاول تشكيل جغرافيا مبنية فقط على الموارد المائية، متناسيًا التكوين السكاني والبنية الثقافية لمجتمعات النيل الأبيض، وصولاً إلى مجرى النيل الغربي العظيم، وكذلك مناطق النيل الأزرق.
رغم ذلك، فإن حملات محمد علي باشا ودخوله السودان عبر مجرى النيل، كانت تستند إلى اعتقاد شائع آنذاك بأن النيل الأبيض ينبع من غرب السودان، لا من جنوبه. وهذا يوضح المسار الديموغرافي للقبائل والمجتمعات التي تحاذي مناطق النيل الأبيض، رغم عمليات التجريف التي اعتمدت على سلطة الدولة المركزية.
لقد توهّم حمدي في تصوّر لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، وشمل مناطق لا تربطها أي وشائج وجدانية أو تاريخية بالسكان الذين ينحدر منهم. بدا وكأنه يبحث فقط عن موارد لامتصاصها، متجاهلًا الامتداد السكاني والثقافي الذي يربط دارفور وكردفان مرورًا بالنيل الأبيض والنيل الأزرق، وهو امتداد يمثل ديمومة ثقافية وسلوكية متجانسة.
تاريخيًا، فإن الوصول إلى كردفان ودارفور من حيث المسافة والقرب الجغرافي يتم عبر مناطق تقع غرب النيل، مثل الدبة وصولًا إلى أم درمان. وحين توهّم حمدي في رسم حدود لا يملكها، كان الأجدر به أن يتحسس مواضع تواجده الطبيعي، قرب الحدود المصرية وشرق النيل، لأن غرب النيل هو الامتداد الطبيعي لدارفور.
اقتصاديًا، تُعتبر نقطة مليط الجمركية هي البوابة الغربية للسودان، وقد مثلت نقطة استراتيجية مهمة، قبل أن تقدم حكومة “الفلول” السابقة في مطلع التسعينات على تفكيك هذا التوازن الطبيعي للحركة الاقتصادية، بنقلها إلى مدينة دنقلا، في محاولة للسيطرة ونهب الموارد، وتكوين مفهوم قسري جديد للثقافات والشعوب الواقعة غرب النيل، والتي تمثل امتدادًا طبيعياً لثقافة الصحراء.
وفي نقطة أخرى، أشار الكاتب بشري إلى أن الحدود بين الدول غالبًا ما تُرسم وفق معالم طبيعية، كنهر أو سلسلة جبلية. ونقول هنا إن دولة تؤسس حدودها على “البحر” وحده، بلا اعتبار للتركيبة السكانية والثقافية، ستجد نفسها دائمًا في صراع مع الطبيعة.
تأمين الموارد المائية ليس فيه مجاملة؛ فالعالم مقبل على فقر مائي شديد، ما يفرض ضرورة بناء استراتيجية حقيقية للحفاظ على هذه الموارد. كما أن أشكال الرقصات الشعبية وتجانسها الهندسي على امتداد سكان تلك المناطق، رغم اختلاف القبائل، تمثل مؤشرًا قويًا على وحدة اللهجات المحلية بين قبائل البقارة والأبالة، من آخر نقطة في دارفور إلى النيل الأزرق والبطانة. ستجد أن اللغة العربية المتداولة هناك واحدة، رغم تنوع الأسماء وأماكن التواجد.
تُعتبر هذه المناطق وحدة طبيعية لشعوب تشكل الجغرافيا والتاريخ في السودان.
الخاتمة:
برقيق بيت السيف،
الأكثر مننا قاعد يرفع يدو… بشر كده منو؟
إرسال التعليق