بورتسودان وخطر المحاور: عودة المركز عبر طهران
في قلب التحولات الإقليمية، وعلى تخوم صراع معلن بين طهران وتل أبيب، يعود اسم السودان إلى الطاولة الدولية، لا باعتباره طرفًا فاعلًا، بل بوصفه ساحةً محتملة لتصفية الحسابات.
لكن ما يغيب عن كثير من التحليلات هو أن السودان الحقيقي لم يعد ذلك الكيان المركزي القديم الذي تُدار منه المعارك بالوكالة، بل أصبح فضاءً يتشكّل من جديد على أطرافه، بقيادة مشروع تأسيسي خرج من رحم الهامش، وتنهض به قوى مقاومة فرضت نفسها كواقع ميداني وسياسي، برؤية ترفض القمع والاستعلاء، وتؤمن بإعادة بناء السودان على أسس جديدة.
تظهر سلطة بورتسودان بوصفها الوجه العاري للنظام القديم، محاولةً إعادة تدوير مركزية أفلست، عبر تحالفاتها المعروفة مع التنظيم الإسلامي، وسعيها المكشوف للارتماء في حضن إيران. وهي بذلك لا تمثل السودان، ولا مستقبله، بل تمثل ماضيًا يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وقع المعركة الجارية.
ما يُبنى اليوم في الميدان ليس “صراعًا داخليًا” كما يحاول البعض تصويره، بل هو مواجهة مفصلية بين مشروعين:
• مشروع فوقي استعلائي يحاول فرض مركزية الهيمنة بالقوة،
• ومشروع تحرري تأسيسي ينهض من الأطراف، ويطالب بدولة عادلة، مدنية، تتجاوز إرث الخرطوم العاجز.
بورتسودان، في سعيها المحموم لكسب دعم خارجي عبر بوابة طهران، تُدخل نفسها في عداوة مع الإقليم. فالدول المجاورة — من إثيوبيا إلى الإمارات، إلى جنوب السودان وتشاد — جميعها ترتبط بدرجات مختلفة من التنسيق أو التطبيع مع إسرائيل، ولن تقبل بعودة النظام الإسلامي في السودان عبر وكلاء يلوّحون بالشعارات القديمة.
أما المجتمع الدولي، فقد بات مدركًا أن هذه السلطة لا تملك مشروعية شعبية، ولا قدرة على الحفاظ على الاستقرار، بل تعمّق الفوضى بمحاولاتها استخدام السودان كورقة في لعبة المحاور.
وإذا استمر هذا التمادي، فستجد بورتسودان نفسها أمام عزلة خانقة، وربما عقوبات مباشرة، باعتبارها تشكّل خطرًا على أمن البحر الأحمر والمنطقة.
لكن ما لا تدركه بورتسودان، هو أن السودان قد تغيّر.
أن السلطة الحقيقية لم تعد تُنتزع من العاصمة، بل من الميدان.
وأن هناك قوى جديدة تمارس السياسة من موقع الفعل لا التبعية، وتطرح مشروعًا لا يُستأذن له، ولا يُختزل في شعارات.
مشروع يكتب ملامح السودان الجديد، لا من فوق، بل من حيث طال الإقصاء لعقود.
هنا، لا يُطلب الاعتراف، بل يُنتزع.
ولا يُفرض التأسيس، بل يُصاغ من دمٍ ووعي وتجربة تقاتل من أجل التنمية والعدالة والمساواة.
ومن يظن أن استعادة “الخرطوم القديمة” ممكن، لا يفهم أن السودانيين كسروا بوابات الهيمنة، ولن يعودوا إلى القيد مرةً أخرى.
إرسال التعليق